ترتبط رموز الحلم قديماً بطبيعة المساحة الزمنية والمكانية، والتي كانت صغيرة، محدودة الفِكر، ومُغلقة كما المجتمعات نفسها، بحيث يتم تبادل الرمز ومعناه بين الحالم والمحلوم به باعتباره انعكاساً لقاموس محدد التداول، كما كانت العلوم الاجتماعية والطبيعية لاتزال في أوائل تطلعاتها لاكتشاف وترسيخ نفسها. فمثلاً لو استقرت فكرة ما بأن «رمانة» تعني «مبلغاً من المال»، فهذا يعني أن ظهور رمانة في أي حلم يفسر على هذا الأساس، سواء أكان المال سيأتي بالفعل من طاقة واقعية تتحقق أثراً وعيناً، أم أن الحالم قد استدعاه باطنياً لحاجة مُلِحَّة في سريرته؛ من خلال معرفه مسبقة لمعناه، فيقوم باستدراك الرمانة لتكون أحد أبطال نومه. وهنا نشير ونبدأ في تفهم إحدى الآليات المكونة للحلم، التي هي تأسيس لأمر في الواقع تُبنى عليه مداميك لغوية في ذهنية ونفس الحالم، بحيث تتنوع بين أشكالٍ حماية غريزية، وتخفيف أحمال وأعباء، والتخلص من زوائد دودية معقدة الصلة بين الواقع المعيش والرغبة في تغييره، انتهاءً إلى إنجاز حياة أكثر نضجاً في التعامل معها ولو اضطراراً. ونظراً لكل ذلك فإن تفسير الأحلام قديماً جعل من تأويلها غير كثير تعدد وخيال متسع، كما أرساها على غموض أخف، نظراً للقاموس الدلالي الثابت في تفسير الأحلام، وقد كانت الاتساعات الحقيقية تأتي من خلال شطارة ونباهة المفسرين كأشخاص مبدعين، لا بتفسير الأحلام كعلمٍ في حد ذاته، بل بقدراتهم شطارةٍ خاصة. أما ومع تطور العلوم الحديثة والتعقيد الصناعي والاتصالي بين البشر في المائتي سنة الأخيرة، فإن تحولاً جذرياً طال القاموس اللفظي والدلالي لتفسير الأحلام، صرف النظر عن بقاء بعض المفسرين للولاء المرجعي لبعض النصوص الدينية أو الاجتماعية كمصدر أساسي لتشريع التفسير الحُلمي. فتطور علم النفس وبقية العلوم الاجتماعية الأخرى، واختلاف مفردات الحياة من إنتاج جديد لكل شيء من الملابس للمواصلات للمحمول اللغوي المبني على حداثة التقارب البشري بين جميع الأجناس، جعل من الحلم تجربة فردية خاصة، وليس وضعاً اجتماعياً يتشارك فيه الرمز الواحد بالمعنى نفسه، فالرمانة لها آلاف التأويلات، مرتبطةً بالسيرة الخاصة للحالم، إذ لم يعد منطقياً أن نكتفي بما ظهر في الحلم على أنه جلي الوضوح باستناده على ثوابت فقهية للنص المرجع، وأصبح من الضروري الدخول في حياة الحالم بطرح الكثير من الأسئلة للوقوف على المعنى النَصِّي الخاص به، وبالتالي بدء فك شفرات الحلم، وليس رموزه، إذ لا وجود هنا لرمز محدد الهوية، وهذا تحديداً ما أرسى قواعده النقد الحديث كأحد الشروط الرئيسة لتحرير النص من قوالب جاهزة سابقة عليه. eachpattern@hotmail.com