كنت قد تناولت من مكتبتي المنزلية رواية «شيكاجو» لعلاء الأسواني والتي لم يتسن لي إكمالها لعلي أجد الفرصة وأكملها في هذه الإجازة القصيرة، طلبت فنجان القهوة وذهبت أقرأ الرواية حتى قاطعني صوت صديق جاءت به المصادفة، ودون مقدمات سألني ماذا تعمل في هذا المقهى في هذا الصباح الباكر؟ هل جئت بصحبة العائلة؟ أم أن الأمر فيه سر؟ عذرت صديقي على تلهفه لمعرفة وجودي وتيقنت أن إنسان هذا العصر أسير علاقات وحواجز وأعراف اجتماعية لا يمكن التخلص منها فكان هذا الصديق أول المتطفلين في إجازتي القصيرة. انقطعت عندي رغبة القراءة وقمت على الفور باحثاً عن الجديد في عالم يزخر دائماً بالجديد، كان أمامي خيرات عديدة أما الذهاب إلى السينما وحضور فيلم، أو الذهاب لتناول الغداء أو أخذ جولة سريعة بين المحال التي أقدمت على خصومات وتنزيلات تصل حتى 75%. تساءلت وقتها هل هذه الخصومات حقيقية؟ وإذا كانت حقيقية ما هو هامش الربح الذي وضعه أصحاب المحال وكم كان في السابق؟ وهل هناك رقابة على هذه الخصومات من قبل المسؤولين؟ وتذكرت رأي صديق لي كان قد قال إن أسواقنا مفتوحة وبإمكان التجار رفع هامش الربح إلى أعلى مستوياته، وممكن أن تلاقي سلعة واحدة تختلف قيمتها بين محل وآخر وفي نفس المول، وأن المستهلك الذكي يشتري ملابس الصيف مع دخول الشتاء والعكس صحيح بالنسبة لملابس الشتاء مستغلًا الخصومات الموسمية، نفس الصديق كان قد دلني على محل جديد يصنع الآيس كريم مع الروب مضافاً إليه ما تختاره من قطع الفواكه ويقول عنه إنه الأول من نوعة في الإمارات إن لم يكن في الشرق الأوسط. تناولت الآيس كريم بشكل سريع واستأنفت جولتي على المحال فتمكن مني بائع شاطر وباعني نظارة شمسية يقول إنها ماركة عالمية كان سعرها 1700 درهم وأصبحت الآن بسبعمئة درهم فاشتريتها وأنا متردد باعتبار أن نظارتي القديمة لم يمر عليها سوى شهرين. الوقت في المولات الكبيرة يمر بصورة سريعة بفعل سحر الفضاءات الكبيرة والأجواء التي تشبه لحظة سقوط المطر وكأن الجهة الهندسية الاستشارية أرادت بأن تكون الأجواء هكذا، يزيد من هذا الإحساس بأنك تشاهد جنسيات متعددة سواء التي تزور الإمارات في هذا التوقيت أو التي تعمل عندنا، وكنسبة وتناسب يمكن أن يكون المواطن 1% فتذكرت على الفور المعاناة التي يعاني منها القائمون على حل مشكلة التركيبة السكانية. شارفت الساعة على الرابعة والنصف عصراً فقررت تناول الغداء، فقفز في ذهني الأكلات الشعبية التي تشتهر فيها الإمارات مثل «المضروبة والجشيد وعيش وسمك أو مالح مع سمن بلدي»، وقلت في نفسي هل يمكن أن أجد الطعام الإماراتي في هذا المول الكبير وبالطبع لا يوجد بعد أن سألت رجال الاستعلامات في المول وقلت متحسراً «آه» يا هوية.