عندما ذهب أول رائد فضاء إلى القمر، يقال إنه لم يأخذ معه سوى منديل من الحرير كان يلفه حول عنقه، لقد كان المنديل هدية من زوجته أخذه قبل رحلته إلى أحد قساوسة الكنيسة ليباركه، ليحميه خلال رحلته الغامضة في غياهب الكون.
في حياتنا اليومية، نجد من يضع نوعاً من الخرز الأزرق أو حلية تشبه العين للحماية والحفظ من شر العين والحسد، وقد شاهدت خلال بعض زياراتي أناساً يضعون أواني من الكريستال مملوءة بالملح، كنوع من درء العين، وعندما كنا صغاراً سمعنا أن قطعة الملح الكبيرة التي تدس تحت رأس المولود ما هي إلا حرز لدفع العين ودرء الحسد، وعندما كبرنا عرفنا أشياء غريبة عن طقوس أغرب في هذا الموضوع!
أهي الخرافة؟ أم الخوف وعدم الثقة في نظرات الآخرين، أم هو الإيمان والحذر من زوال النعمة؟ وسواء كنا عقلاء أو حمقى عندما يتفوق العقل، فإن الخرافة تبقى حاضرة وكأنها سياج الحماية الوهمي الذي نسيّج به أنفسنا ضد المجهول، إذن فالخرافة لا تموت أبداً، لا مع العقل ولا مع العلم، فهي تعيش بيننا، وتتحرك بقوة أمام أعيننا، وتحركنا بشكل عجيب، بل وتتحكم في سير حياتنا أحياناً.
أكثر الناس تردداً على العرافين هم المتعلمون في أيامنا هذه، ورجال السياسة، وأكثر المؤمنين بتأثير التمائم والرقى وقراءة الحظ في ورق اللعب وفناجين القهوة هم من حملة الشهادات العليا، وكما قال أنيس منصور في أحد مقالاته “كلما زاد العلم، وكثر عدد المتعلمين، زادت تفاهة البشر”!
القضية ليست “تفاهة بشر”، كما عبّر عنها منصور، ولكن الأمر يتعلق بدرجة اليقين عند الإنسان، فكلما زاد يقينك، وكلما أصبحت مؤمناً أكثر، كانت قدرتك على الرؤية أوضح وكأنك تنظر بعين الله، وساعتها لا تحتاج إلى واسطة تقرأ لك نشرة أحوالك المستقبلية، أو تتنبأ لك بأحوال الطقس على مستوى القلب والزواج والمال والأولاد، وحتى مشاوير السيارة العادية•
إن الإدمان على العرافين والهروب من القدر إلى الخرافة لهما علاقة وثيقة بغريزة البقاء والجشع والخوف وأحياناً كثيرة الجهل، وبحاسة الفضول عند الإنسان، وقد كنت أحسبها من خصائص النساء فقط ثم علمت أن فضول الرجال أشد وأعتى! إنه بقدر تحكم هذه الغرائز فينا بقدر ما يستفحل بيننا الخوف من المستقبل والمجهول والرغبة في كسب المزيد من المال، حتى لو كلفنا ذلك الجلوس بين يدي دجال أو مشعوذ!
الخرافة ليست في السعي لتأمين المال والحب والأولاد والمنصب، وإنما يتحرك البشر ويعيشون، وأحياناً يموتون من أجل خرافات لا أول لها ولا آخر في الدين والثقافة والسياسة، هذه الخرافات لا نبحث عن تأكيد لها في فناجين القهوة، وورق اللعب، ولكننا ننشأ عليها، ونؤمن بها، فتصير ديانة أخرى نصحو عليها وننام كل يوم، وأظن أن هذه الثورات التي تجتاح مدن العرب ليست سوى انتفاضة ضد خرافات وخزعبلات السياسة والثقافة والدين!
هل صحيح أننا أكثر تحضراً من قبائل الأدغال الذين نعيّرهم بالتخلف باستمرار؟ إلا يوجد لدي يعتبر الجهل وانعدام العلم والتحضر أسباباً معقولة لأن يستجدوا قوى الطبيعة بحثاً عن أمان؟ فما هو السبب المعقول لمجتمعات تلجأ إلى الخرافة، بينما تمتلك كل مقومات الحضارة وتقنيات المعرفة؟ فهل نحمي أنفسنا بالخرافة؟ ربما، وهل تحمينا الخرافة؟ بالتأكيد لا، لكنها قد تريح البعض!


ayya-222@hotmail.com