سيارات الميني باص، أصبحت نعوشاً تسير على الأرض تحمل أرواحاً بشرية وتطير بها في الشوارع برعونة سائقيها واستخفافهم بقيمة الحياة والأحياء الذين يضعون أرواحهم أمانة في أعناقهم.
اليوم صار في كل صباح تبشرنا الصحف بمذبحة جديدة يذهب ضحيتها أناس أبرياء، بل كل الذي ارتكبوه أنهم سلموا أنفسهم في عهدة سائقين لا يراعون حرمة الأرواح البشرية ولا يحترمون قدسية الطريق، ما يجعل مثل هذه الحافلات مكاناً للموت المجاني وموطئاً لأقدام الذين لا يعرفون ماذا يمكن أن يحل بهم. لقد استقلوا مثل هذه الكتل الحديدية التي تتمتع بعدد المقاعد الكثيرة وسهولة التدهور عند أبسط انحراف، وبخاصة عندما يتولى أمرها سائقون لا يجيدون غير السرعة، ولا يتسلحون إلا بالجهل بأبسط قواعد المرور واللامبالاة والمغالاة في تكديس أكبر عدد من الركاب، الأمر الذي يزيد من فداحة الخسائر البشرية وعظم المأساة عند حدوث أي تصادم أو انقلاب للحافلة.
أتمنى صدور قرار حاسم وحازم يمنع المزيد من الكوارث، ويبعد هذه الحافلات عن الطرق السريعة التي أصبحت محلاً لنزيف يومي لا ينضب. فنحن في بلد متطور، وفي تطوره ورقيه يضرب المثل والنموذج، والبلد والحمد لله في خير ونعمة، فلا داعي لمثل هذه النعوش التي صارت نذر شؤم بالنسبة لكل إنسان يستقلها، بما تسببه من فواجع، فلا يمر يوم إلا ونسمع عن حادث مؤلم جديد، بل إن أخبار الحوادث أصبحت من الأخبار التي تتعاطاها الصحف اليومية كتحصيل حاصل لتزايد الحوادث اليومية.
أتمنى أن يصدر هذا القرار الذي ننتظره بأحر من الجمر ليختفي اللون الأحمر عن شوارعنا، ونرحم الناس الأبرياء، وبخاصة هؤلاء الفقراء الذين جاؤوا من بلدانهم وفي عيونهم أحلام الرزق الحلال، والعودة إلى أسرهم سالمين معافين.
أتمنى أن يصدر القرار ويكون ملزماً، لا يسمح للثغرات ولا العثرات أن تمر من خلاله، ولا مجال للانتظار أو الدراسة أو البحث، فكمية الدماء المراقة يومياً تكفي لأن تكون إشارة واضحة لعظم الخطر الذي يهدد أرواح الأبرياء، وهذه الجثث المغطاة بالأبيض، تكفي أن تكون نتيجة واضحة لسلبيات اعتماد هذه الحافلات كوسائل للمواصلات.
أتمنى أن يصدر القرار، ويكون حاداً، صاداً لأي تجاوزات، وألا يكون كسابقه الذي أُصدر من أجل منع الشاحنات والحافلات الكبيرة من تخطي الخانة اليمنى من الشوارع، فاليوم نجد السيارات الضخمة تصول وتجول في عرض الشوارع وطولها من دون اكتراث لقرار منعها من التجاوز أو الانحراف إلى اليسار ما جعلها خطراً آخر يهدد السيارات الأخرى ويفاجئها بصدامات كارثية تذهب على أثرها أرواح وآمال بشر.
أتمنى أن يصدر القرار وبسرعة تفوق سرعة حافلات الموت حتى يتم إيقاف هذا الهدر اليومي، ويـُمنع المستهترون من التلاعب بالقوانين المرورية التي لا تصدر إلا من أجل صون حياة الناس والحفاظ على أرواحهم.



marafea@emi.ae