في زاوية الصفحة الأخيرة من صفحات (وجهات نظر ) الأربع في الجريدة توضع صورة إنسانية آتية من بقاع التعب في العالم، يكتب أسفلها تعليق من عدة أسطر، يشرح الصورة وماوراءها وينقل لمن يعرف ومن لا يعرف ما يكابده الناس فعلاً من عناء وراء حجب تصريحات الساسة وصراعات الحروب. أتابع دوماً تلك الصفحات، أبحث فيها عن خبايا ما يكتبه فطاحلة السياسة والمتفرغون لمتابعتها، فهذا العام 2011 يبدو والله أعلم عام التغييرات، والقمة العالمية القادمة ستكون «قمة تعارف» بين الرؤساء الجدد. بعيدة أنا عن السياسة وكرة القدم، لا أبحث عنهما ولا أتابع وراءهما، ولا أحب الكتابة عن السياسة بشكل عام، لكن ما يحدث يجبرك أحياناً على الالتفات، وحب القراءة يسحبني لصفحات أربع تابعتها منذ كانت «واحدة فقط» في الجريدة قبل سنوات طوال. الصورة التي تحركني لقراءة السطور تحتها، والمقالات أعلاها، تسحبني أيضاً لمكان التقاطها، أكاد أزور الأهرامات المصرية اليوم، وأقف بجوار الوجوه المنتظرة لتحرك السياحة وعودة الحياة إلى طبيعتها المرحة في مصر الجميلة، أسمع رغاء البعير عند الهرم وهو يرتفع مطيعاً من على الأرض ليحمل إحدى السائحات المفتونات بالحياة العربية كفتنة طفلة بدمية باربي جديدة. المقالات المغرقة بالسياسة والتي لا يقرأها إلا المحبون «للعبة الدجاجة» والفاهمون «بنظرية الدولة» و»نظرية السيادة»، تدفعني لتذكر قضائي لساعة مساق السياسة الدولية أيام الجامعة نصف مستيقظة ونصف حالمة ونصف رسامة ونصف شاعرة، ذاك المساق قضيته أرسم وروداً ووجوهاً وسفناً وعيوناً، وكتبت فيه ما أعتبره آخر أشعاري النبطية وخططت فيه مقالاً سياسياً يتيماً هو حصيلتي في عالم المقالات السياسية المنشورة مقالًا أذكره عن التطبيع الإعلامي مع إسرائيل. مثلي يتعامل الكثيرون مع السياسة، لا ناقة لهم ولا جمل-حتى لو كان الجمل المنشورة صورته اليوم في الصفحة ما قبل الأخيرة من الجريدة- لو زلقت رجلي إلى الكتابة عنها سأصبح فريسة الهم مبكراً، ولا ينفع تجاهلي لها في موسم العواصف السياسية الذي يحرك العالم العربي على صفيح ساخن. إذاً فالأفضل أن نقرأ عنها، الأفضل أن نتابع «وجهات نظر» الكتاب والمحللون، مادمنا في النهاية سنتحدث فيها ونتكلم بلغتها عند صغارنا وأمام كبارنا، وهم ينتظرون من الجيل الشاب دوماً اطلاعاً أكبر، ويحاولون الحصول على فهمهم الخاص للسياسة بعيون الشباب الجامعي المثقف حولهم، والعزوف عن القراءة السياسية ليست حلاً، خاصة أنها متوافرة اليوم ضمن المقالات التي يكتبها الكتّاب وتنشرها الصحف. يمكننا إذن أن نشاهد «وجهات نظر» بعيون قراء يبحثون عن حقيقة، ونقرأ في المتناقضات، ونحاول تفكيك ما يحدث، دون أن نتبنى موقفاً من المرة الأولى، أو أن ندافع بشراسة عن رأي أجوف خال من المعلومة الدقيقة. القراءة «الخفيفة» في السياسة ضرورة لفهم العالم اليوم، والعزوف عن معرفة ما وراء الحدث لا يجعلنا بعيدين عنه، فحولنا الكثيرون، ينظرون لنا – نحن جيل الشباب- بكثير من الشغف لمعرفة ما فهمنا لأنهم يفهمون العالم من خلالنا ويحاولون التحليل بما يتعلمون منا. فتحية البلوشي