نبع الشعر لا ينضب معينه، فكلما رفد الحياة بسحره، يحيل المرء إلى أن يرصد تلك الحالة الشعرية الإماراتية والمتوهجة عبر الموروث الزمني، تناغم بما يغلف المكانة المزخرفة الجميلة والصادقة، نبع التشريع والخطاب الشعريان، متجدد بما يملأ الحياة طوافا حسيا جميلا يثري الروح، ويفيض كلما ذكرت أبيات وقصائد، أو كلما أوردت فرات من ذاك المعين لتبلل الأرض القاحلة. فما ورث من تصريح شعري أخذ اللغة المحكية لكل جزئية من جزئيات الوطن وأرسى المحلية المتوارثة عبر الأجيال، وخلق الشعر توازنا ثقافيا رغم غياب المفهوم الثقافي بمعناه الحقيقي، وكأن الشعر كائن ماثل على الدوام مرادف لنسيج الحياة، يرتدي الشعر حلة القص اليومي سواء في لج البحر أو على ناصية الطرقات، يسبر الإنسان من خلال التصريح الشعري، فحال الشعراء لا يقل عن حال الآخرين من حيث المعاناة والمشاكاة، إلا أن لدى الشاعر نزعة التصريح والتضمين عن الذات والآخر. ومن خلال هذا المفهوم، تجلت الذائقة الشعرية وأخذت الأبيات والقصائد تؤطر وتؤرخ وتتلازم في قضايا لا تقف عند حدود الوطن وحسب، وإنما تتصل بكل ما يتعلق بالنزعة القومية العربية، حيث تناغم الشعر الإماراتي مع الشعر الإسلامي، وتجلى في المناسبات الدينية، كما أخذته نزعة الخيال والأساطير وسطرها بروح الراوي. أما ما يميز الشعر الإماراتي، فهو أنه جمع ما بين الحكمة والرومانسية، ومال إلى الفكاهي وأرّخ لقضايا مجتمعية، فهناك قصائد تشعرك بروح المداعبة بين الشعراء، وما يفضي بهم نحو الطرافة وتجسيد الأمثال والعبر. كان الشعر في خطابه جريئا وصادقا وله معنى ووزن تستند إليه المفاهيم وتدركه العامة وتتبع ما يصدر، وكان مترصدا لكل دخيل، وكان خطابا تهكميا على كل ما من شأنه أن يضر بالمجتمع، وكان يصادق على كل ما هو جميل وما من شأنه أن يرتقي المجتمع. حالة الشعر في التجسيد التعبيري توحي بأن لكل شاعر خطابه وبصمات جلية لكل منهج ولكل موروث، ولكل خطاب شعري شعراءه يرسون منهجهم، ويغرسون معالم واضحة لم تندثر ولا يمكن أن تصبح هامشية أو ثانوية، يجسدون في الخطاب الشعري الحياة اليومية برمتها، فهل ما يقدم من شعر الآن يتبع تلك المنهجية أو يعبر عن مفاهيم شعرية ماثلة؟ الخطاب الشعري الإماراتي، كما يرى كثيرون، فقد بعضا من الخصوصية المحلية بشكل واضح، فأخذت تظهر فيه مفردات غريبة وغير معروفة في الموروث الشعري المحلي ولا في منهجيته، ومن هنا يفتقد الشعر المحلي لدارسين، يجتهدون كل في تخصصه للخروج بدراسات معمقة وليس بتجميع شائع للدراسات! فالدراسات الحقيقية من شأنها أن تعيد للشعر المحلي بسمته!