الرادار هو المنظار الحقيقي الذي استطاع بحق التوغل إلى دواخلنا واكتشاف حقيقتنا، والتأكيد على كل ما يطرحه المتخصصون، والباحثون، في دراساتهم وأبحاثهم الاجتماعية.. الرادار، بنقطة ضوء واحدة، استطاع أن يسلط قدرته لمعرفة أن الإنسان أصبح استهلاكياً إلى حد الفظاظة، عشوائياً إلى درجة السأم، فوضوياً دون منازع، فيما يخص حياته اليومية، لا مُبالياً بالعواقب، ولا مكترثاً بالنوائب التي قد تحل به فيما لو تجاسر وتغلَّب على ضميره، وأهمل كل الإشارات والنظم.. الرادار العين الساهرة، القادرة، المغامرة ليل نهار، المسافرة في محيطات الشوارع الواسعة، المهيمنة على كل الطرقات، المسؤولة عن كل الزوايا والأنفاق، بإمكانه أن يمارس حقه في بسط نفوذه على جميع المستهترين، واقتيادهم إلى مراكز الشرطة، لدفع المبالغ الطائلة، رغماً عن أنوفهم، ولو بعد تأفف أو ضجر، أو عبوس، وتغضين حاجبين، واكفهرار وجنتين، فالدفع أمر لا بد منه، وشر لا فكاك منه مهما بلغ الأمر، فبعض السائقين الذين يتظلمون ويحاولون أن يمارسوا العاطفة كوسيلة ضغط إلا أنها لا تجدي ولا تنفع ولا تشفع مع هذا الرادار الذي صُمِّم لأن يكون بلا عاطفة، ولأن يصير كالشبح يطارد الأطباق الطائرة على الأرض، بغية تحديد السرعة، وبهدف التخفيف من عدد الحوادث، على الرغم من أن الحوادث لن يوقف نزيفها رادار، طالما تسلط جنون السرعة على العقول، وصار التباهي، بأكثر السيارات سرعة ضرباً من الخيال، الذي لا نراه إلا في أفلام الخيال العلمي.. ولكن الرادار، سيظل واقفاً مترقباً، مترصداً، حاصداً الأرقام الخيالية أيضاً، وسيظل هذا “الرجل الحديدي” منتصباً في كل مكان، بين الأشجار وفي أعلى الأغصان، يلاحق ويتابع عن كثب لأجل كسر شوكة اللامبالين، ولإذعانهم إلى سلطة القانون والضمير، وحتى يتخفف الشارع، من هدير المحركات، المتشنجة، وزئير الآلات الحمقاء.. الرادار سيقف دائماً حائلاً، عاجلاً وآجلاً، أمام كل محاولات الذين يريدون أن يحوِّلوا الحياة إلى سباقات من أجل موت سريع.. الرادار، قد لا يحل كل المشكلة، لكنه يكفي أن يكشف مدى تسلطنا على أنفسنا، عندما نصر على الخسائر المادية رغم عدم قدرة البعض من الإيفاء بها، لضخامة الأرقام المرصودة على الشاشة الفضية.. البعض يساهم بشكل عنيد ومقيت، لإنكار نفسه، وإدخال مشاعر الأسى في قلبه، ومن بعد يبدأ في إلقاء اللوم على الآخرين، ويبدأ في التذمر، وإظهار الضيق والكدر كون الرادار لم ينصفه وكون أن هذا الجهاز أصبح وبالاً لا حلاً.. الرادار، يكشف عن كثير من عقد البعض لدينا، ويفسر الكثير من الظواهر السلبية التي بدأت تعشعش في أذهاننا، ويضعنا أمام الواقع، وعلينا أن نشرح هذه الشخصية، وأن نحللها لنجد العلاج اللازم لها قبل أن يستفحل الداء، وتكبر الأدواء، وينام البعض بلا عشاء، لأنه صرف كل ما لديه لتسديد فاتورة الرادار.



marafea@emi.ae