في اللحظة التي كانت تحاول فيها عاملة الصراف في فرع الإلكترونيات بأحد محال التسوق الكبيرة في العاصمة الجميلة أبوظبي، قراءة اسمها باللغة العربية، كنت والزوجة نقف تماما أمام الصراف، فيما هي تتهجى اسمها عربيا، وبمجرد أن رأتنا طلبت التأكيد على أنها صاغت اسمها جيدا في تلك الورقة البيضاء الخالية من كل شيء يمكن أن يشوه الحرف، أو الورقة البيضاء كبياض مقصدها وقلبها في أن تتعلم شيئاً من لغة هذا المكان الذي تعيش فيه، وهذا التعلم الذي يأتي بالتأكيد تعبيرا عن الاحترام الذي تكنه للمكان. ومع التأكيد لها على صحة النطق والكتابة، ابتسمت جوان وغادرناها بود وبترديد اسمها “مع السلامة يا جوان”.
هذا سلوك صغير مما يكنه الكثيـرون بيننـا للغـة العربيـة والذيـن لا يجدون محفزا لإتقانها والتعامل بها في مكاننا، فجوان ليست الأولى ولا الأخيرة، فهناك أعداد معقولة برغم قلتها يعملون بجد من أجل تعلم اللغة العربية ويصرون على التعامل بها، ومهما حاولت المراوغة باللغة الإنجليزية فإنهم يعيدونك إلى ما يريدون أن يتعلموه وهو طبعا اللغة العربية.
في الوقت نفسه، هناك الكثرة من الذين يعملون بإصرار على إقصاء اللغة العربية في مكانها لتكون اللغة الثانية والخاصة فقط بالسكان المحليين وإخوانهم العرب، نجد ذلك في إصرار الكثير من الشركات على التعامل والتواصل باللغة الإنجليزية سواء من خلال إنجاز المعاملات أو إصدار الرسائل الخاصة بالعمل وغير ذلك من إجراءات روتينية، وتصل الأمور ليس فقط في الشركات الأجنبية العاملة في الدولة وكذلك بعض الشركات المحلية. كما أن هناك مؤتمرات والكثير من الفعاليات تغيب عنها اللغة العربية حتى كلغة مترجمة وناقلة عن لغة أخرى، أي أن اللغة غريبة وهي في مكانها إلى حد أنه يمكن أن يأتي علينا في يوم أحد المتبجحين ليقول لنا إنها دخيلة على المكان، والقريب من هذا التشاؤم قد حدث، من خلال أحد عشاق اللغة العربية كما قال وهو أيضا أحد ناقلي أدب بعض كتابها الكبار إلى اللغة الانجليزية والذين نكن له كل الاحترام. وذلك عندما تحدث في أحد مراكزنا الثقافية التي بدأت تشهد نشاطاً ثقافياً لا بأس به ليقول لنا إن “اللغة العربية لغة كلاسيكية، لا تصلح أن تكون لغة عالمية” حدث هذا دون أن يعترض أو يعلق أحد على هذا الرأي على الأقل من باب إثارة الجدل. بالرغم من أن اللغة العربية نقلت للعالم الكثير من المنجزات العلمية والفكرية وهي اللغة التي سادت لزمن طويل في التخاطب الشفهي والكتابي بين الألسن غير العربية.
الخوف على مصير اللغة التي تمثل هويتنا، والتي من دونها نكون مجرد مسخ في مكاننا، يجب أن يستمر وألا يتوقف مطلقا وأن يترجم بفعل حضاري يدعم ويعزز حضور اللغة في مكانها، خاصة أنه بإمكانها احتواء وتفسير وترجمة كل جديد في العالم بسهولة ويسر.
بيسر يساوي اللحظة السهلة واليسيرة والسلسة لجوان وهي تكتب وتقرأ اسمها وتبتسم مودعة.. ونبتسم فرحاً.


saadjumah@hotmail.com