في كل مرة يخرج فيها الشباب في بعض البلدان العربية للتظاهر والمطالبة ببعض الإصلاحات المشروعة يخرج من يسوق التهم سريعاً لهؤلاء المطالبين، وأول التهم هي التخوين والتآمر والعمل لحساب أجندات خارجية، فهل صحيح أن الكل خائن وعميل؟ تلك معضلة كبرى لأنه يعني أن العرب ليسوا سوى شعوب من الخونة والمتآمرين وهو منطق غير مقبول، كما أن الفوضى العارمة التي تجتاح العالم العربي غير مقبولة أيضاً، وللأسف فليس هناك من يديرها بما تستحقه من خطورة وتداعيات مرعبة، الاتهام بالتخوين لن يوقف الفوضى، أما الخوف من التغيير فخيار أثبت فشله.
لا أحد يرغب في وقوع الكوارث واندلاع الحروب والفوضى العارمة بجميع أشكالها ودوافعها، كما لا تريد البشرية أن ترى مجدداً أولئك الطغاة المهووسين بالقتل والحروب والممتلئين بالجشع والفساد، ولذلك طارد المجتمع الدولي كبار المفسدين والطغاة عبر المحاكمات الدولية كمجرمي حرب لا فرق بين إمبراطور ورئيس فأمام حرمة الحياة ودماء الأبرياء تسقط عظمة الكبار، وينتصر العالم لمنطق مصالحه، ولرومانسية الحقوق الإنسانية كي يضمن الحياة بأمان وسلام.
إذا كان التاريخ يعيد نفسه فلماذا يقع الإنسان في هاوية الخطأ نفسه كل مرة ؟ الحقيقة لأن الإنسان لا يتعلم من أخطائه مثل الفئران تماماً، التاريخ لا يعيد نفسه لكن الإنسان لا يتعلم من أخطاء التاريخ ولا من أحداثه المتشابهة، يحفظ ذاكرته في الكتب وعلى الأحجار والأوراق ، يصنفها، يخترع لها الأنظمة والأجهزة، وبعد أن يحفظها، ينساها على ما يبدو، هل يفقد الإنسان ذاكرته بإرادته، ألا يبدو السؤال غريباً؟
نحن من يعتقد بأن الحدث يتكرر لكن ذلك غير صحيح ، الحدث يصنعه إنسان مختلف في كل مرة وفي زمن مختلف عن اللحظة التي مضت، ألم يقل أحدهم “إنك لا تضع قدميك في نفس النهر مرتين” حتى وإن تشابهت الجغرافيا، صحيح أن الإنسان هو هو لن يتحول إلى كائن آخر ، لكن الزمن يختلف حتما وكذلك الظروف والسياقات الموضوعية المؤثرة، والغرائز المحركة، ، لذلك يفترض أن لا يكرر الإنسان أخطاءه وكوارثه ولا يعيد إنتاج إفلاساته الحضارية !!
في عالمنا العربي لدى الإنسان هواية التكرار والإعادة، ولديه عادة التشبث بما يعرفه وبما هو معتاد عليه ، نحن لا نتقبل الجديد بسهولة ولا نعي التطورات والأفكار الجديدة بشكل سريع ، وكل قيمة أو فكرة جديدة ننظر إليها بريبة وبعدم ثقة، وعلى أساس نظرية المؤامرة، على اعتبارها تشكل تهديداً مباشراً لأوضاعنا المستقرة التي تعارفنا وانسجمنا معها طويلاً ولا نريدها أن تتغير، ذلك أن التغيير انتقال من المعلوم إلى المجهول والإنسان بطبعه عدو لما يجهل ، رافضو التغيير لا يحاولون التفكير والتمعن قبل إصدار قرار الرفض، فلو أننا فكرنا قليلا لعرفنا بأن التاريخ لا يعيد نفسه أبداً، لكن التغيير قانون الحياة الثابت، بل هو الثابت الوحيد في هذه الحياة .
نحتاج لأن نتعلم ونعي ونعلم أبناءنا أن الحياة لا تعيش في مساكن الأمس أبداً، وأن على هؤلاء الأبناء أن يفهموا كيف يصيغوا معادلة مسيرتهم الآتية وفق هذه الحقيقة، لأنها الحقيقة القوية التي سيصادفونها أينما ذهبوا ، فليكونوا مستعدين لها، ذلك أفضل من حالة العويل والشكوى التي انتهى دورها وما عادت تقود إلى نتيجة.

ayya-222@hotmail.com