من الزجل الجميل أو الشعر الزجلي الذي تمتزج فيه القدرة الشعرية التي تحمل معاني شديدة الخصوصية وتختبئ بين قوة المعنى وفن ترتيب الأبيات الزجلية، يعد شعر الميدان طريقة جميلة وصعبة يكاد لا أحد يفك رموزها غير أبناء عُمان كما أنها عسيرة على الكثير من الشعراء، بل إنها تكاد تكون لفئة خاصة من أصحاب الميدان والألغاز العمانية، ولكن هذا الشعر/ الميدان من أجمل فنون عُمان الشعرية الخاصة، بديع في طريقة تركيبته قوي في معانيه التي لا يمكن فك مقاصدها إلا لذلك الذي يعرف هذا الفن العماني الجميل. “درس اليمن من جبل حافون .. وسيل السنة طاح في لنيه ومن يقدر يشيل جبل حافون .. ويقربه من جبل لنيه” قد يعتقد البعض أنه يستطيع أن يفكك هذه الكلمات حسب سير القصيدة وهذه الأبيات الشعرية، ولكن دائماً ما يستخدم الميدان في الوصول إلى معان كثيرة وبعيدة غير الدلالة الظاهرة من ترتيب الأبيات الشعرية، إنه فن رفيع جميل وصعب الوصول إلى عمق مقاصد قائله، وهذا يحتاج إلى من يعرف عُمان وارثها الحضاري الشعري في فن الميدان. ومن أبيات الميدان: “فاز بالمكر بانيان أصحار .. يوم انضرب بانيان الوي كيف ينضرب بانيان أصحار .. وكل السبب بانيان الوي” لنتأمل الطريقة الجميلة والمترادفة في كيفية بناء قصيدة الميدان، وجمالية الطريقة التي تحمل معاني كثيرة وشديدة الذكاء في طرح ما يقصده صاحب الميدان وبأسلوب من الصعب قراءته حتى القراءة المتأنية والمكررة كثيراً، إنه فن لا يعرفه غير أهله وناسه ولكن بديع في سكنه دائماً. “صحن الصفر خيل ترقص فيه .. وضاقت على الناس واسعها سبعة من القوم باتوا فيه .. وغول اليبل بات لا سعها” هذا البيت الشعري/ الميدان جميل في سكبه ورتيب معانيه وتخاله شطر من قصيدة طويلة يمكن إكمال معان وموضوعات كثيرة يمكن تناولها لو بنيت قصيدة على هذا المطلع، ولكن الميدان يختصر القصيدة في المعنى والهدف القصير والمباشر لقايل هذا الميدان، إنها ومضة، بل طعنة مباشرة لقلب المقصود أي الوصول إلى الهدف بأسرع وأقصر الجمل وبفن رفيع، قد يكون الرد عليه سريعاً أو يظل الجرس معلق حتى يجيب من يوجه إليه بيت أو سهم الميدان. “مدفع نقع من مدا مسداب .. وطشت من البيت عفريته أنتو سمعتوا بعقرب تلدغ داب .. لو تستوي بألف عفريته” هذا البيت/ الميدان الذي يظهر مدى التحدي عند قائل هذا الميدان الذي يلخص كيفية الرد على الصم بمعان كبيرة ومقارنة شديدة المفارقة، وهكذا دائماً الميدان هو قدرة على المبارزة الشعرية المذهلة في طريقة اختبار الكلمات والمعاني ذات القوة وفي أوقات كثيرة ذات المفاجأة في اضطياد الكلمات والتراكيب التي قد تخرس المتباري أو الخصم. “بوزن لحم من واسمك من .. أنا اسمك أعرفه وناسنه أنته ولد من واسمك من .. أنا اسمك أعرفه وناسنه” لنتأمل جمالية المعنى وحسن اختيار المترادفات وبعد المقصد أنه الميدان العُماني الجميل مثل عُمان العظيمة. إبراهيم مبارك Ibrahim_M barak@hotmail.com