في «باركن» مدرسة البنات، حيث تنتظر السيارات انتهاء اليوم الدراسي، ترى الموقف محتشداً بالأمهات المنتظرات، وبعض الآباء، وسائقي البيوت، وطبعاً السائقات. في موقف مدرسة البنات، تنظر إلى الساحة وتتأمل المشاهد، سائقات خاصات، تدهشك ملابسهن، وأزياؤهن الرجالية، فتراهن إناثا في جوازات السفر والهوية، رجالاً في المظهر، منظر غريب، تتوقف أمامه عيناك ويعمل عقلك بسرعة، فتفكر وتسأل وتتأمل. في موقف مدرسة البنات، تراهن نساء لسن بنساء، قصات شعورهن وملابسهن، وأصواتهن وحتى التصرفات، تثير استغرابك وربما اشمئزازك، لكنهن أمامك تنظر إلى وجودهن المتزايد ولا تستطيع أمامه إلا الصمت. حكاية المسترجلات من السائقات حقيقية موجودة ومعروفة، يعملن في البيوت التي تستر بالحشمة وتمنع فتياتها من كشف الوجه، وربما من قيادة السيارة، وتعلمهن التعامل مع المجتمع من وراء حجاب، لكن -ويا للأسى- هذا الحجاب ما هو إلا امرأة مسترجلة! هؤلاء السائقات تتفتح عليهن عيون الصبايا، وجودهن المرضي عنه من قبل رب العائلة يعني للصغيرات أن سلوكهن طبيعي، مع الوقت يعتاد عقل الفتيات الباطن على المنظر ويعتبره طبيعياً ولا ضرر من رؤيته ولا خطأ في ممارسته كسلوك، فتنجرف الصغيرات إلى تقليد السائقات، مندفعات بحاجة المراهقة للقدوة ورغبتهن في إثبات تميزهن، والسبيل الأقصر إلى ذلك- في نظرها- هو التخلي عن الأنوثة والانجراف وراء الذكورة، كيف لا والسائقة أمامها تغدو وتروح أنثى بملابس ذكر والكل يعتبرها طبيعية! تمر على الفتيات في عمر المراهقة تغيرات نفسية كثيرة، تخبط يجعل بعضهن يجنح إلى أفكار غير سوية، أبرزها إثبات الذات عن طريق تغيير الشكل الخارجي، فنرى طالبات الكليات هن الأكثر تأثراً بتغييرات الموضة، وهن الأكثر هوساً بالصرعات في الملابس أو الأظافر والشعر، وهن أيضاً الأكثر ميلاً إلى التشبه بالرجال. السن الخطيرة التي تمضي فيها المراهقات تجعلهن عرضة للكثير من بائعي الأفكار ومروجيها، فيقعن فريسة الخدعة في كل شيء، من مستحضرات التجميل إلى مصممي العباءات وحتى المستغلين من الناس. وهذا ما يجعل الخوف من تعاملهن مع سائقة مسترجلة حقيقيا ومشروعا، فمن يضمن أن لا تجذبهن لعالمها الغريب؟! لتبدأ مشكلة التشبه بالرجال من حيث أمن رب الأسرة، من السائقة التي جعلها تقل فلذة كبده إلى المدرسة. قبل عامين أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية مبادرة بعنوان «عفواً إني أنثى» حملة توعية بمخاطر التشبه بالرجال على المجتمع، حملة بفعاليات أنوثية وردية، استمرت فترة وانتهت، لكن المشكلة لم تنته ولم تحسم ولن تتوقف إذا ما وضعنا أيدينا معاً واعترفنا أولاً بوجودها، وتكاتفنا ثانياً لحصرها والقضاء عليها. هذا الأمر يتفاقم يوماً فآخر، حتى صارت الحاجة ماسة إلى وضع قوانين تمنع تشبه الإناث بالرجال (والعكس أيضاً لأن العكس مشكلة أخرى أكبر) وتعاقب ممارسي هذه الأفعال إناثاً كانوا أو ذكوراً وتلزم سائقات المنازل بشرط عدم التشبه بالرجال عند توقيع العقد، وفتح باب تقبل أفكار أفراد المجتمع للقضاء على الظاهرة، عندها ربما لن نرى ما يؤذي العين والقلب في موقف مدرسة البنات. فتحية البلوشي