سألني أحد الإخوة في واحدة من إذاعاتنا المحلية سؤالا مباشرا فقال: هل لدينا فعلا أزمة هوية ؟ قلت له بطريقة مختصرة مفيدة: اعتقد ان لدينا أزمة تربية قبل أزمة الهوية، فبعضنا في موضوع التربية قد ضيع البوصلة ـ وما عاد البعض يعرف طريقه ولا طريقته، لا يوجد لدينا اجماع على أولويات تربية الأطفال، ليس لدى البعض ألف باء أسس التربية، ولا يعرف بالضبط كيف والى أين عليه ان يتجه؟ شمالا، جنوبا، شرقا أم باتجاه الشمال ؟ هناك من يربي على طريقة الغرب وهناك من يعتقد ان الحل في التراث وكان يا ما كان، وهناك من أصابه دوار التربية وسقط مغشيا عليه لا يدري كيف يربي ولا كيف يتصرف !!
هل لدينا أزمة هوية وطنية في الإمارات ؟ بالتأكيد لدينا، لكن أساس المشكلة نابع منا قبل أن يكون من الخارج أو من الآخر، فالقادم من الخارج لم يخرب تربيتنا ولم يضع لدينا خططا بديلة جاء بها من الخارج، في الحقيقة نحن من غيَّر ثيابه وجلده وما تحت الجلد، نحن من تخلى عن الثوابت، وتربية الأمهات والجدات، واتجهنا شرقا وغربا نبحث عن التطور والتقدم والتغيير ومسايرة الحداثة والمعاصرة، كي نعد أبناءنا لزمان آخر، زمن التقدم التقني وثورة المعرفة والعولمة، زمن المنازل الفخمة ومدارس الغد والمستقبل، زمن يبدو فيه كل شيء غريبا ومختلفا ومخيفا، فهل ربيناهم لهذا الزمن فعلا ؟ هل أعددناهم لمواجهة تحديات ومشاكل ومصاعب هذا الزمن ؟ لدي شك في مسألة الإعداد، وليس لدي ادنى شك في النوايا !
لكن الطريق إلى جهنم كما يقول المثل مفروش بالنوايا الحسنة، فالنوايا الطيبة لا تربي الاطفال، ولا تعد الأجيال ولا تضع الخطط، التربية تحتاج إلى إرث وتراث ومعرفة وحرص ووعي وفهم وصرامة، تحتاج إلى صبر ومسؤولية، تحتاج إلى تضافر جهود، تحتاج إلى أن يتعاون الجميع من أجل ان تنمو هذه النبتة الصغيرة بشكل سليم خال من العيوب والانتكاسات قدر الإمكان، فهل لدينا كل ذلك ؟
كيف يمكن لطفل أن ينتمي لوطن ومجتمع وهو لا يتربى منذ صغره على الاعتزاز والتفاخر بلغته ودينه وعاداته وتقاليد أهله وموروثاتهم كلها من اصغرها لأكبرها ؟ كيف يمكن لطفل ان ينتمي لثقافة لا يعرف الكثير من تفاصيلها ويتلعثم وهو في الخامسة عشرة من عمره اذا ما سئل عن أحد هذه التفاصيل، او يقف حائرا أمام شيء منها ؟ كيف لطفل ان يحسب على ثقافة لا يفهم موروثها الأدبي والشعري والأخلاقي والتاريخي ؟ لا يعرف شيئا عن أمثالها وشعرائها وادبائها وابطالها ؟ الشارع الذي يعبره يحمل أسماء لأشخاص من بلدان اخرى ومدنا من جغرافيا لا يعرفها، يشاهد برامج تلفزيونية لا تتحدث بلغته او حتى بلهجته، ابطال القصص التي تعرض عليه عيونهم زرقاء دائما وشعورهم شقراء واسماؤهم عجيبة، ولا شيء يمت بصلة اليه !!
تربيه آسيوية تتحدث انجليزية عرجاء وعربية كسيحة، ويوصله للمدرسة سائق يهز رأسه بسبب وبلا سبب، تدرسه امرأة لا تشبه امه ولا خالته ولا اخته، ويبيعه اللعب بائع لا يعرف من اي البلاد جاء.... بالله عليكم لمن سينتمي هذا الطفل حين يكبر، هذا اذا استطاع ان يكون منتميا من الأساس ؟


ayya-222@hotmail.com