ما أن تسمع الضيف في القنوات الفضائية يقول للمذيع: “سيدي الفاضل، لو سمحت لي”، فاعرف أنه سينطلق في رفع صوته، وسيهدر هدر صعاب الإبل، وسيكيل من السباب والشتائم على القضية المحورية، وعلى الأشخاص، وكأن السب والشتم يمكن أن يكسباه قضية أو يمكناه من حق يطالب به! لماذا ظهرت في الآونة الأخيرة وضمن مجريات أحداث الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن ظاهرة السباب والشتائم واللعن، وبأمر مسكوت عنه من قبل القنوات، وراضية بما يقال من على منبرها “الشريف”، لا يختلف في ذلك الرؤساء أو الدهماء؟ فالرئيس اليمني هدد من على منبر إعلامي رسمي، ولم يقطع المشهد ولا الصوت؛ لأن النقل كان مباشراً، وغير متوقعة تفاصيله، بأنه سيعمد إلى إيذاء المتظاهرين “المخربين”، والرئيس الليبي تعرفون شتائمه العلنية من جرذان ومقملين ومهلوسين ومتعاطين وجراثيم، فيما يرفع من صفاته ونعوته العظيم، القائد الأبدي، الأب الكبير، ملك ملوك أفريقيا. لماذا ظاهرة الكذب الصريح والواضح دون أن يرف لأحدهم جفن من قبل المعارضين، ومن قبل مؤيدي النظام، فالمعارضون يخوضون في الكذب؛ لأن النظام يرسل لهم أحياناً أخباراً كاذبة ليشيعوها ومن ثم يدينهم بها، ويدين القنوات التي تتحمس لبثها دون التأكد منها في سباق محموم مع الوقت ومع إمتاع وإدهاش المشاهد، ثم أنهم ثائرون وبالتالي مستعجلون لتحقيق حلمهم بنهاية النظام، أما مؤيدو النظام فكذبهم عن جهل بمجريات الأمور حولهم، وسوء تقدير للقراءة الصحيحة على واقع الأرض، ولأنهم لا يريدون أن يسمعوا أن التغيير وصل إلى موطئ أقدامهم، وأنهم سيفقدون الشرعية والمنافع والسلطة، ثم هي جزء من الحرب النفسية التي في غير وقتها، وأخيراً هي أمور تابعة لسلسلة كذب طويل وخلال سنوات مديدة في الحكم، فأصبح من العادة السياسية اليومية! يعرف الجميع أن الحياد في الأمور السياسية والإعلامية من الصعوبة بمكان تحقيقه، لكن الخروج عن الأخلاق المهنية، والتحريض المباشر، والتبرؤ من الموضوعية “النسبية” أمر غير مقبول في الأخلاق الإعلامية، وشرف المهنة، فما ظهر من تلاسن بين مذيعي الجزيرة وسفير ليبيا في طهران أمر واضح للمتعقلين؛ لأن هناك طرفاً مستفزاً وغير محايد مهنياً، وطرف مستنفر، ولديه عدوانية عدم فهم الأوضاع التي تجري بسرعة، والنتيجة ضياع الهدف الخفي من المقابلة، وهي إعلان مزيد من الاستقالات الدبلوماسية الليبية في الخارج، للتأثير على مجريات الداخل، لكن إقحام صفة عدم الحياد في الموضوع من قبل المذيعين، غيّب حماس السفير، ودفعه باتجاه مغاير للذي كان ينوي الإفصاح عنه بشكل دبلوماسي موارب قليلاً، لكونه ضمن فريق الثائرين الليبيين، وكل ذلك بفضل عدم موضوعية وحياد المذيعين “النسبي”! ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com