لعل أحد أهم ملامح التجربة التشريعية في الدولة “تفاعليتها” وحيويتها، وهي تراجع في كل مرحلة من مراحل التطبيق مستوى تحقيق الغايات والنتائج المرجوة منها، وتراعي في الوقت ذاته مصلحة المجتمع من دون مس بحقوق الأفراد، وبهذا المنظور تجيء موافقة المجلس الوزاري للخدمات في اجتماعه الدوري الأسبوع الفائت على تعديل نظام الفحص الطبي للوافدين، والذي أصبح بموجب التعديل مقتصراً على أنواع الفحوص الطبية التي يجب أن يخضع لها الوافد إلى الدولة بغرض الإقامة أو العمل أو الدراسة.
وكان المجلس قد أصدر في يوليو من عام 2007 قراراً بشأن تنظيم العمل في برنامج فحص العمالة الوافدة، وطلب من وزارة الصحة وضع أسس ومعايير وضوابط موحدة للبرنامج. وكلف وزارة الصحة بتشكيل فريق عمل من الوزارة يتولى التنسيق مع الجهات المعنية في الدولة، لمراجعة النظم والضوابط المتعلقة بأنشطة فحص العمالة الوافدة، ووضع ضوابط جديدة لمراقبة وتنظيم العمل للجهات الصحية التي تقوم بفحص العمالة الوافدة بما فيها مؤسسات القطاع الخاص. وعقب ذلك، حظرت الوزارة على منشآت القطاع الخاص إصدار شهادات اللياقة الطبية للعمالة الوافدة سواء للإقامة أو للعمل. وتوافقت على ذلك أيضاً الهيئات الصحية في أبوظبي ودبي.
القرار الجديد للمجلس الأسبوع الماضي يقصر أنواع الفحوص الطبية على تلك التي يجب أن يخضع لها الوافد إلى الدولة بغرض الإقامة أو العمل أو الدراسة بعد أن تسبب التوسع السابق في الفحوص في إخضاع فئات من العمالة لفحوص لا تتطلبها مهنهم، وساوت في متطلبات الفحص بينهم وبين تلك التي يجب أن تكون إلزامية بحق العمالة المنزلية أو تلك التي تعمل في مجالات على صلة مباشرة بصحة الجمهور كالعاملين في المطاعم وغيرهم وتحمل خطر نقل العدوى.
إن القرار الجديد يؤكد النهج الإنساني الذي أشرنا إليه، والذي تحرص عليه مختلف أجهزة الدولة بالعمل على تحقيق التوازن بين مصلحة المجتمع، وفي الوقت ذاته عدم المس بحق الفرد، الأمر الذي سيخفف من حدة الازدحام والتكدس اللذين كانا سمة مراكز الطب الوقائي خلال الفترة الماضية جراء القرار القديم الذي مضى عليه نحو ثلاث سنوات. ونشير هنا أيضاً إلى الجانب الإنساني الذي حرصت عليه الدولة، وهي تخضع الفئات المصابة ببعض الأمراض المعدية للعلاج.
وإذا كانت هناك من كلمة ونحن نتحدث عن فحوص العمالة الوافدة، فهي تتعلق بدعوة وزارة الصحة والهيئات الصحية لمراجعة نظام فحص العمالة المنزلية لدراسة مقترح فحص هذه الفئات في مراكز صحية معتمدة وموثوقة في مواطنها الأصلية قبل استقدامها للدولة للتأكد من خلوها من الأمراض المعدية، بدلاً مما يجري حالياً، حيث يفاجأ المواطن الذي يستقدم عاملاً أو مربية أو مساعدة منزلية بإصابة أحدهم بمرض معدٍ، عند ظهور نتيجة الفحص الطبي بعد أيام من الوجود في البلاد والاختلاط مع أفراد عائلته، وبالأخص الأطفال منهم، وبالتالي عليه إعادة تلك الحالة إلى بلادها مما يكبد المستقدم تكاليف إضافية باهظة، خاصة أن مكاتب استقدام هذه الفئات من العمالة تتنصل من مسؤولياتها وتحمل المواطن والمستقدم المصاريف والتكاليف كافة. ومن هنا، نتطلع لمعالجة هذه النقطة الجوهرية بالمسلك الحضاري الراقي ذاته.

ali.alamodi@admedia.ae