لا تضيع أصوات الجياد في الصحراء.. فما زال صهيلها حياً في حبات رمالها، التاريخ والبسالة والفروسية، والمروءة والوحدة، والجماعة والأصالة كلها تمحورت في قصة بطل لم يؤمن بالفردية ولم يؤمن إلا بالوطن والدين والحرية، قال عمر المختار «إنني أؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي في الحياة، وهذا الإيمان أقوى من كل سلاح». لا يسعى الأبطال إلى البطولة، ولا يطمحون إلى القيادة ولا يهتمون حقاً بالتاريخ هم يؤمنون بالقيم الأصيلة.. هم يؤمنون أنهم من الأرض وإلى الأرض لذا تجد بعضهم قد نسي «الأنا» وعاش بين جدران كلمة «نحن». لا تخطئ الأقدام الواحات فصورتها لا تغيب، ولا تسقط حبات البلح دون قطاف، ولا تمشي الجمال دون صبر، ولا يأتي ذكر ليبيا إلا بعمر المختار، البطل لا يختار أن يكون بطلاً، هي المواقف التي تجعل منه بطلاً، وهي صفة ليست ملتصقة بأصحاب البنية الكبيرة بل بكرماء النفس، أما المختار فقد رأى كل مظلوم بطلاً «إن الظلم يجعل من المظلوم بطلاً، وأما الجريمة فلا بد من أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبرياء». عمر المختار، هذا التاريخ الجميل الذي لن ننساه، ومهما قلبنا في صفحات تظل هناك أحداث نقف عندها كثيراً ونرجع لها دوماً، جميل هذا التاريخ الذي تصنعه الشعوب وجميلة تلك اللحظات التي بعد المعاناة، قال بن المختار «يمكنهم هزيمتنا إذا نجحوا باختراق معنوياتنا». أبطال الصحراء كثر، وقصصهم لا تنتهي، ولن تنتهي ما دمنا نسمع صهيل الجياد ونرى حوافرها، لا تعرف كيف تنشأ عواصفها الرملية لكن صمود أهلها تشعرك أنها لم تكن، وهكذا هي الصحراء ساحرة بكل تقلباتها، برياحها وسكونها وليلها ونهارها.. حتى شمسها تطبع على جلد ابنائها شهادة الجلد والبسالة. لذا أقدام فرسانها لا تخشى الرمضاء التي لا تثقل خطواتهم نحو الصواب.. ألم يقل المختار» لئن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقي». «أسد الصحراء» 1981، فيلم لا ينسى في تاريخ السينما ففيه دونت قصة عمر المختار، والذي قام ببطولته الممثل العالمي أنتوني كوين وأليفر ريد بدور جرتسياني وقام الراحل الفنان عبدالله غيث بدبلجة صوت المختار في النسخة العربية وأبدع المخرج الراحل مصطفى العقاد في نقل صورة من حياة هذا المناضل. في عام 1931 تم إعدام عمر المختار، وكانت آخر كلماته: «نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت.. وهذه ليست النهاية.. بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه.. أما أنا.. فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي». أمينة عوض | ameena.awadh@admedia.ae