نواصل من خلال هذه الزاوية الغوص فى تفاصيل رأس الخيمة القديمة التي باتت بحق ذاكرة للمكان. الزمان هو نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، أما المناسبة فهي بداية فصل الصيف، الموسم الذي ينتقل فيه أبناء المدينة القديمة إلى منطقة النخيل وهي المنطقة التي كانت تستمد اسمها من كثافة أشجار النخيل بها والتي تحولت الآن إلى جراجات ومخازن وورش لتصليح السيارات بعد أن كانت فى الماضي مصيفاً تشد إليه الرحال من الإمارات الأخرى. وكان الأهالي يستعدون لهذه الرحلة الصيفية الداخلية من وقت مبكر قبل دخول الصيف، وذلك هرباً من حرارة الطقس وشح المياه من منازلهم في رأس الخيمة، واللجوء إلى منطقة النخيل حيث المياه متوافرة والظلال وموسم حصاد الرطب، لكن الانتقال من رأس الخيمة القديمة إلى النخيل يحتاج إلى وسائل نقل، حيث كان خور رأس الخيمة يقسم المدينة، مما يضطر الأهالي لاستخدام العبرات بعد حمل «حوال القيظ». إذ لم يكن هناك سوى طريق واحد تمر منه السيارات لنقل «حوال القيظ» إلى منطقة النخيل في رأس الخيمة عن طريق اليابسة، وقد تنتظر السيارات حتى يجف ماء البحر لتتمكن من العبور، هذا الطريق هو الوحيد المؤدي إلى منطقة النخيل باستثناء عابري الصحراء الذين ينقلون الحوال على ظهور الجمال، وكانت السيارات تلف فيها على شكل دائرة كاملة. كان انتظار السيارات التي تقل العائلات يطول بسبب عدم توافر سيارات كثيرة إذ كانت معدودة على أصابع اليد، وفي كثير من الأحيان تتشارك أكثر من عائلة باستئجار سيارة واحدة، البحر كان وسيلة سهلة لنقل حوال القيظ إلى مصايفهم في منطقة النخيل لكن الوسيلة البحرية كانت لا تنقل كل أدوات الأهالي، كما أن مرسى العبرات بعيد عن منازلهم. هناك «خوريتان» الأولى هي «خورية» الأحصيات التابعة لمنطقة العريبي، والثانية «خورية» الجويس، و»الخورية» تعنى طريق يمر بين أشجار القرم البحرية ويشترط أن يكون البحر ممتلئاً (سجي) حتى تسطيع العبرة الوصول إلى أماكن قريبة من منازل الأهالي. في النخيل تتلاقى الأسر بعد طول غياب، ويتعرف أهل البحر إلى أخبار إخوانهم من أهل الجبل، وتكون مناسبة الشهرين اللذين يمتد فيهما المصيف مناسبة لالتقاط الأنفاس والترويح عن النفس وقضاء أوقات سعيدة بعيداً عن رطوبة البحر فى المدينة القديمة. بعد انقضاء شهري القيظ يعود أبناء المدينة القديمة إلى ديارهم، ويرحل أهل الجبل وينفض السامر، وتظل الأرواح تهفو لمنطقة النخيل على أمل بلقاء يتجدد كل عام.