رواية “مزرعة الحيوانات” للكاتب الإنجليزي “جورج أورويل” المنشورة عام 1948، ابداع حقيقي تجلى في قدرة لا متناهية على إسقاط أعمال وأفعال الحيوانات في المزرعة، على أحداث سياسية موجودة فعلا على الساحة وقت كتابته لفصول روايته، وإقناعك أثناء ذلك أنك لا تقرأ عن سلوكيات الحيوانات بقدر ما تقرأ عن فعل سياسي واجتماعي واقتصادي حقيقي للبشر في تمازج بديع؛ فكان لكل من الحصان والكلب والخنزير والخراف والقطط والغراب والدجاج وحتى الحمام، دور فاعل في أحداث الرواية، وبهذه الإسقاطات المتعمدة يصف المجتمع الشيوعي بكل أفراده وصفاته منذ تخلصه من الملكية وحتى النقطة التي يتبنى فيها نبؤة سقوط الشيوعية.

رغم المتعة الحقيقية التي يجدها أي قارئ للنتيجة التي يصر الكاتب على خروجك بها كقارئ من هذا العمل، والمتمثلة في رفض فكرة المساواة المطلقة، بنبذه لممارسات الخنازير التي أخذت دور القائد في العمل السياسي (بإدارتها لشؤون المزرعة)، إلا ان القارئ يصل إلى نقاط متع أخرى لا تنتهي طوال أحداث العمل، ليُكِن كل احترام وتقدير لتجربة هذه الحيوانات، وقدرتها الرائدة على إدارة شؤونها وتحقيق الاكتفاء الذاتي، دون الحاجة لأي عنصر خارجي.

أعيد وأشير إلى درجة التعاطف التي يصلها القارئ في عمل الحيوانات المختلفة بالمزرعة والتي امتازت بالجدارة والنجاح حتى بداية تصاعد الأحداث، خاصة في الموقف الذي تبدأ فيه نذالة أحد الخنازير “نابليون” بالإضرار بالخنزير الآخر “سنوبول”، الذي كان قد اثبت ولاء حقيقيا لحيوانات المزرعة بعمله وأفكاره. وتمثل الأضرار في قيام نابليون باستغلال جراء صغيره حولها بتربيته الخاصة إلى أشباه ذئاب لتتخلص من “سنوبول” وإفزاع باقي الحيوانات لتنفيذ أوامره دون العودة لما كانوا قد اعتادوا عليه بعد تخلصهم من مالك المزرعة بالمشاركة في صنع قرارهم، فانفرد وحده بإدارة المزرعة وبالتالي تدمير كل شيء بإفساده، ومن ثم وفي نهاية المطاف إلى التفرد الكامل بحكم المزرعة لتحقيق الرفاهية المنشودة في المساواة، ولكن ليس للجميع، وإنما فقط له ولكلابه وليس لكل الحيوانات كما كان مخططا له مسبقا -بعد ثورة الحيوانات على مالك المزرعة.

حقيقة يراودني تساؤل وحيرة حول كاتب هذه الرواية، هل كان سيفلح -لو كان على قيد الحياة- في كتابة رواية جديدة لخنزير آخر وكلابه المستوحشة؟!.. حسنا.. قد لا يمكن للكاتب “جورج أورويل” العودة بعد كل هذه السنين للكتابة من جديد عن هذا الخنزير، ولكل ألا تتفقون معي ان الخنازير وكلابها لا تحتاج الآن لكي يكتب عنهم أحد، فأفكارهم وأفعالهم يسجلها التاريخ بلا أي حساب؟!


Als.almenhaly@admedia.ae