كما أن الحياة مسرح كبير يلعب فيه الناس أدواراً متقاطعة وجدت أن مراكز التسوق مسرح أصغر ومتخصص، مليء بالقصص والحكايات، بالفكاهة والسخافة، بالنوادر والمآسي، بالعبرة والموعظة، ترى السلوكيات الطائشة والرزينة، ترى فيه ثقافات مختلفة وعادات وتقاليد متنوعة، إنه عالم من التناقضات الغريبة العجيبة الهجينة، ترى فيه كل شيء وكأنه نافذة على العالم، بل إنه نسخة مصغرة عن العالم الخارجي خصوصا ونحن نعيش في زمن العولمة، زمن الثقافات العابرة للقارات، زمن وسائل الاتصال الحديثة التي جعلت من العالم قرية صغيرة محدودة.
لو جلست ترتاح فتجد فرصة لمراقبة ما يدور أمامك على هذا المسرح، قد تغريك بعض المواقف بالضحك وقد تستفزك بعض المشاهد وقد تستهجن بعض السلوكيات الدخيلة التي قد تراودك فكرة أنها معروضة على رفوف البضائع برسم البيع أو الاستعارة أو كأن الشياطين وضعوا لمساتهم وبهاراتهم عليها حتى تبدو جميلة رائعة في عيون البعض قميئة بغيضة في عيون الآخرين، فالأسواق أوكار للشياطين، غير أنك تتقبل ما تراه لأنك أيقنت أنك متفرج على ما يدور في المسرح.
تنتابك مشاعر مبهمة متناقضة وأنت ترى بعض الفتيات وهن يتمخترن في أزهى زينتهن وأبهى حللهن بين المتسوقين كأنهن عارضات أزياء أمام جمهور غفير يصيح إعجاباً وتصفيقاً فيرمين سهاما من نار في قلوب بعض ضعاف النفوس من الشباب والرجال المبهوتين المبهورين كأنهم تحت تأثير سحر المشعوذين.
ينافسهن على ذلك في الجانب الآخر شبان من الجيل الجديد ممن اتبعوا موضة إطالة الشعر وتسريحه وتمسيده ودهنه وصقله بصورة تجعله أبعد ما يكون عن شعر الرجال، ترى فيهم نعومة عجيبة وملابس غريبة وحركات قرعاء رعناء تستغربها لدرجة الحياء من قلة حياء مثل هؤلاء الشباب الصاعد الواعد. وبين ذلك التنافس المستعر ترى قصصا أخرى جميلة، ترى عجوزا تجر رجليها وراء حفيدتها التي تبحث عن لعبة أو دمية لأنها تستحق مكافأة لالتزامها بالذهاب إلى المدرسة طوال الأسبوع، وترى زوجا وزوجته وطفلهما اللذين يتناوبان على احتضانه وتقبيله وهو يحاول التملص للركض بعفوية وبراءة طفولية.
وترى عاشقين يجلسان في ركن يبثان المشاعر والضحكات المكبوتة، وشابا يبحث عن حب جديد يطارد فتاتين منقبتين غرزتا سهام عينيهما الكحيلتين في قلبه فلم يتمكن من مفارقتهما حتى ولو كان ذلك على شكل مراقبة من بعيد، وأبا غربيا يعلم طفلتيه مبادئ الاقتصاد وعدم الاستهلاك وشراء الاحتياجات التي سيتم استخدامها فقط، ومسنا وزوجته التي احتضنت رأسه وقد استسلما للنوم بعد أن هدهما التجوال طوال اليوم في هذا المركز الذي صار بحجم المدينة.


amal.almehairi@admedia.ae