بحسب الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال فإن على الأمهات والآباء أن يحرصوا على عدم ترك الطفل أمام شاشة التلفزيون قبل أن يبلغ عامه الثاني، فيما بعد يمكن السماح له بمشاهدة برامج مناسبة لعمره بمعدل لا يتجاوز ساعة الى ساعتين مدروستين كحد أقصى وحتى يبلغ الرابعة من عمره وهنا فإن الطفل بهذا المعدل يكون قد شاهد ما يقارب الـ 3000 ساعة تلفزيونية، وهو معدل ليس بسيطاً ولا يمكن الاستهانة به، فدماغ الطفل في هذه السنوات لا يزال في مرحلة التكوين وتأسيس المفاهيم، وبناء العلاقات والتصورات والتوجهات الوجدانية تجاه كل ما يحيط به وما يتلامس معه، وهنا فإن هذه الساعات التلفزيونية المحملة بآلاف الرسائل المختلفة تكون قد استقرت في وعيه وأثرت بشكل أو بآخر.
هذه ليست مبالغة بل حقيقة أكدتها الدراسات والتجارب العلمية في مجالي طب الأطفال والإعلام، ففي آخر دراسة أجرتها الأكاديمية الأميركية اتضح وجود علاقة قوية بين ضعف قدرات الانتباه والتركيز لدى الأطفال ومعدل ساعات مشاهدتهم للتلفزيون، فالأطفال الذين يقضون ساعات طويلة مستلبين إزاء الشاشة وإبهار الصورة، لقد عبر هؤلاء عن ميل واضح للعنف والرغبة في الإيذاء وقلة التركيز والانتباه وتدنٍ في المستوى الدراسي مقابل مجموعة أخرى من الأطفال كانوا أكثر هدوءاً ورغبة في التفاعل والتعاون مع رفاقهم، هؤلاء لم يتعرضوا سوى لساعات مشاهدة بسيطة شاهدوا خلالها برامج ملائمة لأعمارهم وبيئتهم ومحيطهم.
إن أغلب الأمهات اليوم يرتكبن خطأ فادحاً بترك أبنائهن أمام شاشة التلفزيون ولساعات طويلة وفي عمر صغير قبل دخولهم المدرسة، فالأم تجد في سكوت وانشغال الطفل حلاً ملائماً للتخلص من مشاغباته المزعجة في الوقت الذي يعتاد الصغير على هذه الممارسة الذي تبعده تدريجياً عن محيطه وعلاقاته بهذا المحيط، وتعوده على الكسل والاتكالية والأنانية والانسلاخ عن الآخرين ما يعني ان استمرار هذا السلوك سينتهي بعزلة الطفل اجتماعياً وميله نحو الصمت وعدم الرغبة في الحديث والمشاركة مع الآخرين !! الامر الذي جعل سكان بلدة في ايسلندا يتخلصون من كل أجهزة التلفزيون في بيوتهم من أجل حياة اجتماعية أمثل !!
إن أغلب أطفالنا اليوم ميالون للصمت وعدم الحديث أو المشاركة في الحوارات والأحاديث التي تدور في جلسات العائلة، والغريب أن ظاهرة صمت الأبناء هذه لا تثير استغراب الوالدين أو على الأقل لا تولد لديهما أي دافع في البحث عن الأسباب وبالتالي عن الحلول المناسبة معتبرين أن هذا الصمت هو أحد انعكاسات مرحلة المراهقة وأنه عرض سيزول مع الوقت، والحقيقة أنه أحد انعكاسات العلاقة غير الصحية بوسائل الاتصال الحديثة، التي بدأت بالتلفزيون في سن مبكرة ثم تطورت مع جهاز الكمبيوتر وعالم الإنترنت وهاتف البلاك بيري التي تجتاح المجتمعات كالوباء.
لا يمكننا وضع حد لتطور وسائل الاتصال وثورة التكنولوجيا، لكن يمكننا أن نحد من تأثيراتها على أبنائنا بشكل من الأشكال، يمكننا ان نقنن علاقتهم بهذه التقنيات، يمكننا أن نراقب هذه العلاقة وأن نوجهها فهذا حقهم قبل أن يكون حقنا ذلك أن تجاربهم وخبراتهم الحياتية غضة وضئيلة جداً، يمكننا ان نتحاور معهم فيما يرون ويسمعون ويتصفحون ويستقبلون من رسائل ومضامين، يمكننا ان نشاركهم مشاهدة البرامج والافلام وان لا تأخذنا عاطفتنا تجاههم الى درجة ان نلقي بهم في التهلكة باسم الحب، فليس ذلك حبا حين نضع كل الأجهزة والأدوات والتقنيات شديدة الضرر تحت تصرفهم وفي متناول ايديهم وفي غرف نومهم وتحت وسائدهم ثم نتركهم يتصرفون كما يريدون بينما نحن في عالم آخر.!


ayya-222@hotmail.com