لن يجد أساتذة العلوم السياسية، وأساتذة الإعلام من دروس وتطبيقات عملية لطلبتهم مثلما سيجدون في الأزمة السياسية والإعلامية الليبية التي امتدت أربعين عاماً مضت، وظهرت جلية بعدما اندلعت ثورة الشعب ضد الزعيم، وصرخ الشعب يريد إسقاط النظام، كما حدث في الثورتين التونسية والمصرية، فانبرى النظام يريد إسقاط الشعب، على رأي الصديق الكاتب عبد الوهاب بدر خان.
لم كل هذه الضالة الموجودة في ليبيا ونظامها وإرهاصات الثورة وما جرى فيها من أحداث جسام تخص السياسة والإعلام بالذات أكثر من كل الميادين الأخرى؟ لأن ليبيا كانت تقوم على تجريب وتنظير سياسي، وعادة يكون غير ناضج أو ممتزجاً من نظريات أخرى أو مبتكراً في أرض غير أرضه، وإعلام متخبط وواضح في تخبطه ومسيّر شأن النظم الشمولية، ولكنه إعلام كان مرضياً عنه من قبل السلطة، ومرفوضاً من قبل الشعب، خاصة بعد الانتهاء من حقبة السبعينات الثورجية، وتبدد أحلام الإصلاح والتغيير وإرساء الديمقراطية الجماهيرية، لكنه سيّر الأمور في ليبيا داخلياً وخارجياً لفترة حتى بدأ يفقد بريقه، وغدا من الأدوات القديمة التي لا يعترف بها العصر الإعلامي الحديث، لأن الإنسان وثورة الاتصالات والعالم تغير للأحسن، وهو يسير إلى الأسوأ، والأمر عينه ينطبق على المسألة السياسية المتقلبة والمتنقلة والمزاجية، وعديمة الأسس الواضحة والمتماسكة، والتي لا تحمل من تراكمات التجارب الجادة، ولا بنت مجتمعاً مدنياً يساعدها على التغيير والاستمرار وسبر المستقبل، والاستفادة المثلى من الثروة الهائلة في التنمية والتطور.
إن المتابع للشأن السياسي الغائب في ليبيا في الآونة الأخيرة، سيرى تحركات سياسية قاصرة أن تخرج من حدود العاصمة، مع فقر في العلاقات الدبلوماسية لأسباب خلقها القذافي طوال حكمه، وتخلي الكثير من البعثات الدبلوماسية في الخارج عن دورها وتجييره لصالح الثورة والشعب، حتى المليشيات الجماهيرية والثورية وما كان يتطلب في مساعدة وتجهيز قوى النضال والتحرر في العالم الأفريقي والأمريكي الجنوبي لم تنفع، لأنها خارج الوقت والزمن والظروف الموضوعية، أما الداخل الليبي، فقد صنع العقيد من نفسه الأوحد طوال زمن ثوريته، وبعده الشعب أو الجماهير حسب المصطلح الثورجي الليبي، لم تكن هناك مؤسسات وأحزاب وجمعيات مدنية حقيقية يمكنها أن تستوعب الصدمات الأولى، وتمتص الاصطدامات السياسية، فكان العقيد هو الرئيس وهو النظام، ومقابله الشعب، فظهر الصراع بين الاثنين مباشرة.
أما المتابع للإعلام فلا يمكن أن يصفه بالحرفية ولا حتى بعض من المهنية، بل هو إعلام بدائي جداً، ومتأخر، وعاجز، ليس فقط في زمن الثورة الجديدة، بل منذ انقلاب القذافي، وذياع بيانه الأول من محطة الإذاعة التي تطوقها الدبابات، فقد ظل الإعلام على ثورجيته التي لم يعد الناس يفهمون لغتها الميتة!

amood8@yahoo.com