في حوار بعنوان “رائحة الموز” مع الروائي الكولومبي “ماركيز”، يتطرق إلى سخرية الواقع، ذاكراً نماذج حَدَثية تدل على فاعلية طاقات من خارج واقعنا المعيش، والمنطقي، والمرئي. فيذكر مثلاً أن عامل إصلاح الثلاجات طرق بابه بالخطأ، وما كان من “ماركيز” إلا أن دَلَّه على العنوان الصحيح الذي هو لجاره، وعندما ذهب إلى المطبخ ليجلب كوب عصير، وجد ثلاجته مُعطلة.
وهكذا، يحدث لنا الكثير من هذه الأشياء بلا تفسير واضح، فمثلاً وكثيراً ما يحدث لي في الليل والشوارع خالية تماماً، عندما أهُمُّ بعبور الطريق في شارع فرعي، فأجد سيارة تقطعه، وكأن حِس المدينة النائمة يتركز هنا والآن في هذه الصُدفة العجيبة.
والأمثلة كثيرة، يموت مُرّبِّي حَمَام مرتبطاً بعشق هوايته، فيرفض الحَمام الطعام إلى أن يموت كأنه تفاح نَضَج فيسقط من الشجرة تفاحة وراء أخرى، ليلحق بصاحبه طائراً تحت سماء أخرى. ولي صديق ماتت أمه وهي تلد، وقد كان يربي قططاً وأرانب، صّدّف أن حَبَلت الإناث كلها في صدفة غير مفهومة، خلال شهرين من موت الأم، فمتن الإناث وهن يلدن، تاركات مشهداً مأساوياً، وجد لنفسه مكاناً بكل سهولة في تراجيديات اليوناني “سوفوكليس”.
أما عن الأحداث العربية الحالية، فهناك الكثير يُقال، ولن تعدم التحليلات إيجاد أسباب ودوافع لكل ما يحدث، وأيضاً لأن كل محاولات الفهم تبني نسقاً جديداً من التعامل مع اللغة ودلالتها الجديدة للمرحلة، خروجاً من إيسار المعهود القديم، الذي ضَيَّق كل واسع بأشكال من التعسف والقَسر على شيء واحد دون ترك مياه الحياة جارية كجزء من طبيعة أصل الحياة نفسها.
ومن هنا تجيء مشاركة صديقة افتراضية لتضيف إلى النسق الجديد إضافتها، صديقة إنترنت، كاتبة “خواطر” إماراتية، تعرضت لحادث سيارة مع أهلها، فماتوا جميعاً إلا هي، من يومها وهي مشلولة وفاقدة للنطق، وقد خضعت بعد معاندة طويلة منها إلى العلاج الطبيعي. منذ أيام سألتني إن كنت أريد أن أضحك؟ وقالت: عندما حدثت أزمة العراق كانت معالجتها عراقية، ومع أزمة تونس أصبحت معالجتها تونسية، وهكذا مع مصر، ثم تندرت متصورة أن هذا سيتكرر مع اليمن وليبيا وغيرهما، وضحكت.
تحدث الأشياء الغامضة لتعبر عن ركيزة وجودية خارج إدراكنا المباشر لها، حتى يصبح التخاطر موضوعاً حقيقياً للعقل، ذلك أننا وعند نقطة بعينها، لا يكون من بُدٍ إلا أن تحدث تحولات ما، وكأن هناك موجات فكرية وروحية وفكرية تُشيع مجالاً حيوياً من الاتصال الجبري، للتدخل بتعديل أو تغيير وضعٍ من استمرار النقل، إلى تحفيز العقل.
أما “رائحة الموز” تلك، التي تعنون حواراً مع الكولومبي صاحب جائزة نوبل للعام 1982، فإنها إشارة إلى “جمهوريات الموز”، ذلك المصطلح الذي أُطْلِقَ سخرية على بعض دول أميركا اللاتينة، نظراً لاعتمادها في جزء من اقتصادها على زراعة الموز، لكن المقصود هو الإشارة إلى الفساد المستشري، والناجذ من مجموعة حُكْمٍ صغيرة، أدت إلى إفساد الحياة السياسية والاجتماعية، وعودة الاقطاع وتفاقم البطالة وازدياد الهجرة إلى الخارج، وبث الفتن العرقية والدينية بين كاثوليكي وأرثوذوكسي، وهلمجرا.


eachpattern@hotmail.com