هكذا صنفت إسرائيل النشطاء الإنسانيين الذين تحدوا عنجهيتها وأرادوا كسر الحصار المفروض على غزة، الصنف الأول هم القادمون من العالم الغربي، وهؤلاء نشطاء المحبة المشاكسون الذين لا ترغب فيهم إسرائيل ولا في حركاتهم الإنسانية، لكنها لن تقتلهم ولن تمسهم بسوء، كل ما في الأمر أنها تختلف معهم في الرأي كما صرح رئيس وزرائها الفصيح نتنياهو، فحصار شعب بكامله وقتله بالجوع مجرد وجهة نظر قد نتفق وقد نختلف فيها مع الشعب المختار ، والصنف الآخر هم القادمون من ديار العرب والمسلمين، وهؤلاء أعداء وإرهابيون ونشطاء للكراهية والحقد، وعليه فإن قتلهم حلال شرعاً حسب عقيدة الدولة العبرية.
لقد صعدت إسرائيل من لهجة العداء تجاه تركيا، وهي لهجة لا تنم عن غضب بقدر ما تنم عن عنصرية واضحة، حين قالت إنها لن تعتذر من القتلى الأتراك الذين راحوا ضحية القرصنة البحرية التي مارستها عليهم قواربها الحربية الأسبوع الفائت ضمن أُسطول الحرية الذاهب بالمساعدات الإنسانية إلى غزة، ولو أننا سألنا بنيامين نتياهو، إذا كان من يختلف معكم على حصار غزة يعتبر رمزاً للكراهية والهمجية ويحل قتله ولا يتوجب الاعتذار من أهله وقومه عن هذا القتل الهمجي ولا عن أي شيء آخر، أفلا يجوز اعتبار الجندي شاليط بالنسبة للفلسطينيين هو الآخر رمزاً للكراهية والحقد ؟ ألا يجوز قتله هو الآخر ؟ وإذا قتل ألا يحق للفلسطينيين أن يتباهوا بقتله دون أي إحساس بالذنب؟
إن مجرد طرحنا لهذه المقاربة بين مصير الجندي المختطف لدى حماس ومصير ناشطي السلام الذين قتلوا غدراً على يد الجنود الإسرائيليين في عرض البحر تعتبره إسرائيل إثماً وجريمة إنسانية، ثم الأهم من ذلك ستصنف هذه المقارنة على أنها معاداة صريحة للسامية ولدولة إسرائيل ، لأن شاليط أحد أفراد شعب الله المختار وهو جندي خرج ليؤدي واجبه المقدس في قتل الفلسطينيين، وهنا فإن اختطافه يعتبر جريمة حرب نكراء من قبل الفلسطينيين المتوحشين، أما النشطاء الإرهابيون الذين جاءوا ليتحدوا إرادة إسرائيل وقراراتها فهؤلاء أعداء السامية والإنسانية والحضارة، ولذلك فإن قتلهم حلال بنص التوراة !!
ينظر العرب لتركيا أردوغان اليوم على أنها الرجل القوي الوحيد في العالم الذي استطاع أن يصفع وجه إسرائيل، ويتباهون بأن تركيا دولة مسلمة كانت ولم تزل على الرغم من العلمانية والتغريب اللذين تعيشهما منذ عقود، إلا أن هذه النظرة تغفل المعادلة السياسية القائمة أولاً وأخيراً على المصالح والمناورات والضغوط من جميع أطراف الإقليم على بعضها البعض لأهداف سياسية بحتة هدفها تحسين شروط اللعبة والإمساك بأكبر قدر ممكن من الأوراق الرابحة وكسب أراض أكثر لتوسيع مجال المناورة وبأكبر عدد ممكن من المشجعين، وهنا فإن على الجماهير أن تعي دورها جيداً وأن تخرج من إطار الصورة المليئة بالحشود والصراخ والمتظاهرين لتعرف بالضبط إلى أين تساق وإلى أين توجه، وما هي الأوراق السياسية وراء قصة أُسطول الحرية ؟
لا نشك في حسن نوايا النشطاء الإنسانيين أبداً، ولا في نوايا المنظمات الإنسانية، ونعلم أن هناك أملاً دفيناً في قلوب الملايين لكسر عنجهية إسرائيل وكبح دمويتها وبلطجتها، لكن هل كل الأزمة التي اندلعت بين تركيا وإسرائيل جاءت عفوية هكذا من دون تخطيط، هل فوجئت تركيا فعلاً بردة فعل إسرائيل ؟ هل دار في خلد سياسيي تركيا المحنكين أن إسرائيل ستسمح للأُسطول بالدخول وتوزيع الخبز والسكر والحليب على الفلسطينيين، بينما سيقوم جنودها بتنظيم الإجراءات الأمنية مثلاً ؟ أشك في ذلك !!


ayya-222@hotmail.com