مرة.. وحينما وصلت الحالة بمواطن عربي درجة عالية من الهذيان وهستيريا الجنون، قرر الذهاب إلى طبيب بيطري ليعرض نفسه عليه، فتعجب البيطري من سذاجة هذا الحيوان الذي يمشي على قائمتين، ويريد أن يراجع عيادته، فنصحه بأخصائيين نفسيين، وأطباء متخصصين، وأنه لا مكان له في عيادة الحيوانات، فأصر المواطن، راجياً من البيطري أن يأخذه بسعة حلمه، وقدر علمه، ورجاحة فهمه، لأنه يعد نفسه بعد تجربة طويلة في الحياة أنه عومل خلال تلك المدة باعتباره حيواناً أليفاً من جميع الأطراف، لذا وبعد تفكير أخير، عطّل عقله بعد أن صنف كواحد من أرقى الحيوانات، فدهش البيطري من حديثه، ورحب به في عيادته ليحكي له سر قصته، فقال المواطن العربي الأليف:
“ لطالما نهضت باكراً كالبعير أبحث لي عن رزقة من السماء ماء أو عشب أو كلأ، ففي سنوات شبابي كدتني الوزارة كد شدائد الأبل، وعند أول عثرة، طردتني من الشغل شر طردة، وقالت:” الباب يوسع جمل”.
وأنا نفسي طالما عملت كالثور طوال اليوم، فمثلي منذور للحرث والسقاية، ومسؤول عن زيادة عدد القطيع، ولا أحد يتفضل بشكر أو حمد، لا مدير، ولا زوجه، ولا بقرة، ولا حكومة، وحين أطيح من العياء والتعب كثور ذبيح تكثر سكاكيني.
والحكومة بالذات تعاملني بدونية، وكأني سمكة نافقة، تريدني ما دامني قوياً وبعافيتي كخيلها، وحين أحال إلى التكهين، لا أدري أين وكيف ومتى ستطلق عليّ رصاصة الرحمة، وتريدني أن أكون مطيعاً ووفيّاً كالكلب، لذا تصر على تجويعي، رابطة العيش بالسياسة بقطع الرزق وحز الرقبة، لأنها تؤمن في النهاية بحكمتها الميكافيلية:” جوّع كلبك يتبعك”.
والزوجة تريدني أن أكون أرنباً في البيت، لا صوت ولا حس يعلو على نَفَسها، وإن حاولت أن أتذمر أو أثور استعملت معي سياسة العصا والجزرة.
والمدير يريدني أن أكون وديعاً كالحمامة، ولا يسمع مني على الدوام إلا الهديل والزقزقة في كل شيء، فلا أزيد على ما يقول إلا أحسنت، والخطأ بعيد عنه ويتعداه، بصراحة يريدني أن أكون بغبغاء لا يسمع مني إلا كلامه هو.
والأولاد يريدوني أن أكون كأسد السيرك، له هيبته، لكن دون مخالب وأنياب، والمهم أن يفرحوا بغلة يومه.
زملاء العمل يريدونني أن أكون حماراً حمّالاً لآسيتهم، صبوراً على ديونهم شبه المعدومة، جحشاً في تلبية طلباتهم الكثيرة.
بعض الناس يريدونني أن أكون قرداً مسخوطاً مضحكاً مسلياً، بعضهم لا يرونني إلا دجاجة تبيض ذهباً، بعضهم الآخر يحبون أن يركبوني كمطية لأهدافهم، حتى السوق لا يرحمني بأسعاره وتقلبات أثمانه، يريديني دائماً أن أكون كبش فداء”!


amood8@yahoo.com