في الخمسينات من القرن الماضي، تلقت العباءة النسائية أول ضربة قوية في الخليج، حين قامت مجموعة من السيدات في دولة خليجية بإحراق العباءات والحجاب في تظاهرة معروفة باسم (مظاهرة حرق العباءة)، هذا التمرد الأول على العباءة في الخليج أخذ قرابة خمسين عاماً حتى يصل مداه إلى المجتمع الإماراتي المحافظ. يحاول الكثيرون إقران العباءة بمبدأ اللباس الشرعي الإسلامي، بل بالغ بعض العلماء باعتبارها اللباس الإسلامي المفروض على الفتيات، وما عداه «خاطئ»، وفي هذا الأمر تحديداً تجنٍ على الدين الإسلامي الذي حدد اللباس بالصفات لا بصنف معين واحد، فالإسلام دين لكل زمان ومكان، وما يفرضه قابل للتنفيذ في أي مجتمع، ولهذا السبب أقر الدين الإسلامي الشروط الخارجية الواجب توافرها في لباس المرأة، وترك الاختيار في الباقي عليها. حديثي عن العباءة هنا باعتبارها جزءاً من الثقافة الإماراتية، وعلامة مميزة للمرأة في مجتمعنا، دون الحديث عن دورها الإسلامي، فهذا أمر متروك للفقهاء والعلماء. في التسعينات، عندما بدأ ارتداء العباءة يستغل من قبل البعض لممارسة أعمال منبوذة، مثل التسلل، أو التخفي عن الأنظار، أو الأعمال المنافية للأخلاق، ثارت ثائرة ذوي الغيرة من الإماراتيين، وبالغ البعض بطلبهم قوانين تمنع غير الخليجيات من ارتداء العباءة، وصار معظم أهل الإمارات ينفون صفة «المواطنة» عن كل من ترتدي العباءة وتمارس ما لا يعجبهم من تصرفات. هذه «الفزعة» للرمز الأنوثي الإماراتي الأصيل، أصبحت اليوم حسرة وقهراً عند رؤية الكثير من الإماراتيات اللواتي تخلين أساساً عن العباءة، ورمينها في الخزانة بانتظار ارتدائها لواجب العزاء فقط، بينما صار ظهورهن من دون عباءة هو الأصل في ممارستهن للحياة. نستغرب - نحن الإماراتيين - حين نرى أشخاصاً منا يتخلون عن جزء من الهوية، جزء يرتبط بنا كعلامة مميزة، العباءة التي ترمز للإماراتية دوماً لم تكن عائقاً في يوم ما لنجاحها أو تميزها، فالإماراتية وصلت «بعباءتها» إلى أعلى المناصب في الدولة، ولم يقف حجابها يوماً كحاجز أمام تميزها ونبوغها، وهذا الأمر من أكثر الأمور التي تدعونا للتساؤل حين نرى من تخلت عن عباءتها: ما السبب؟ وما الهدف؟ العباءة الإماراتية علامة فارقة على هويتنا نحن الإماراتيات، والتخلي عنها يعني انجرافاً وراء العولمة الثقافية، وتركها في الخزانة يعني تخلي صاحبتها عن عادات وتقاليد تحاول الدولة بكل جهاتها المحافظة عليها، وأكثر ما يثير الأسف أن نرى فتاة إماراتية مجتهدة تغلبها أنانية حبها للتحرر على حبها لهويتها وثقافتها الإماراتية، فتتخلى عن العباءة والحشمة التي ميزت بنات الإمارات منذ سنين.