هُناك خطان يسيران بشكل متواز، بمعنى أنهما يسيران بعضهما إلى جانب بعض في نفس الاتجاه لكن دون أن يتقاطعا، في الحقيقة هذا هو التعريف الرياضي للخطان المتوازيان، يعني لكي يكونا متوازيين يجب أن لا يلتقيا عند أي نقطة، وهذا ما يفعله أصحاب مبدأ محاربة التوطين في إعلام الإمارات، فهم يعلنون بصوت عالٍ أن التوطين قائم في الإعلام المحلي على قدم وساق، وأنه لا تهاون أو تقاعس أو تراخي في تطبيق استراتيجية أولي الأمر ولجان التوطين وقرارات التوطين، وفي الوقت نفسه يقومون بضرب التوطين من جذوره وبالضربة القاضية، كيف؟
حين يتم الإعلان عن اجتماع لجنة التوطين في المجلس الوطني للإعلام، وحين تصدر قرارات الحرص على تطبيق التوطين في الإعلام بجميع وسائله، وحين ترصد الجوائز هنا وهناك لتحفيز أبناء الإمارات للإعلان عن مواهبهم وكشف ملكاتهم، فإن ذلك مما يفرح القلب ويبعث على الأمل بغد بهيج يكون فيه إعلامنا قد تجاوز محنة الهوية التي يتخبط فيها منذ سنوات طويلة، لكن حين يتم الإعلان بشكل غير رسمي عن ملء القنوات والصحف والإذاعات ومكاتب السادة الوزراء والمسؤولين الكبار بأعداد كبيرة من غير المواطنين ليتصدروا المشهد بأكمله فكيف نفسر الأمر ساعتها؟
متى يتصدر ابن وابنة الإمارات إعلام بلادهم يا ترى؟ نحن حتى هذه اللحظة لا نثق بمقدم برامج سياسية مواطن إماراتي! ولا نجرؤ على تقديمه كمذيع نشره رئيسية إلا متكئاً على زميل عربي أو زميلة غير مواطنة لأنه لا يستطيع أن “يشيل” نشرة عالمية، فهي ثقيلة عليه وهو خفيف جداً كما قال أحد المسؤولين الإعلاميين ذات مرة!! خفيف في ماذا يا ترى؟ في الوزن؟ في الثقافة؟ في الكفاءة؟ في الخبرة؟ أم في الشخصية الكارزمية؟
الطلة الإعلامية القوية يمكن صناعتها محلياً فكل مكوناتها موجودة، وابن الإمارات يتمتع بشخصية “مهضومة” كغيره من أبناء الشعوب المرغوب ظهورها في الإعلام الخليجي، لكن لا ندري لماذا الخوف أو التردد من إطلاقه كنجم في سماء الإعلام وإبقائه حتى اليوم متوارياً خلف الكاميرات أو في وضعية مساعد مذيع كمساعد الطيار في قيادة دفة النشرة العالمية الرئيسية؟
حتى في البرامج الخفيفة ذات وزن الريشة التي لا تهش ولا تنش، ولا تقدم ولا تؤخر، لابد من الاستعانة بغير المواطنات وغير المواطنين، مع أن المسألة ليست معادلة كيميا معقدة ولا مسألة فيزياء بحاجة لعقل كعقل أحمد زويل، إنها بحاجة لشاب أو شابة يتم صناعتهم وتدريبهم وصقلهم بشكل جاد وصارم وحقيقي حتى إذا تم إطلاقهم إعلامياً تفخر البلاد بهم ويصيرون حديث المجالس كما حدث مع بعض الكفاءات الشابة في أول ظهورها مثل المذيعة المتألقة على شاشة فضائية دبي ميرة المهيري على سبيل المثال لا الحصر!!
أعتقد بأن النوايا موجودة، لكنها لا تزال تراوح مكانها، يعني محلك سر، بينما التعاقد مع غير المواطنين جار على قدم وساق، ومازالت فضائياتنا تتسيدها وجوه غير إماراتية بنسبة عالية جداً، لا تمنحنا فرصة التباهي بإعلام محلي ذي هوية إماراتية صرفة وهوى عربي لا نمانعه بل نعتز به، لكن تبقى الهوية الإماراتية هي المطلب الأول.
لسنا ضد أي خبرة غير مواطنة ونعتز بكل الوجوه التي تظهر، ولسنا بصدد الهجوم أو الاعتراض أو النقد لأي إعلاميين عرب أو غير عرب، نحن هنا نتحدث عن الخطان المتوازيان اللذان لا يفيد تطبيقهما في الإعلام حين يكون الحديث منصب على التوطين وضرورة ترسيخ وإبراز الهوية الإماراتية!

ayya-222@hotmail.com