انتهى السباق، وأُرخيت الأشرعة على صدر القوارب، عاد البحّارة إلى منازلهم بعد رحلة القفال الطويلة، وهي محاولة لإنعاش الذاكرة، وإعادة شيء من ماضي البحر، الكثير كان يحلم بالفوز، أما نحن فإننا كنا نطلب من الله أن يعود شيبتنا بالسلامة، على الرغم من أنه تجاوز الثمانين عاماً، قلّ نظره وسمعه، غير أنه ما زال راكباً رأسه بأن يذهب مع البحّارة إلى صير بونعير، وكأنه دين عليه أن يعود كل عام إلى تلك الجزيرة البعيدة، لم ينفع معه الرجاء وإراحة نفسه من عناء هذه الرحلة المتعبة، واحتراماً لرأيه ذهب معهم، ولكنه كان طوال الرحلة متعباً ومستلقياً على جنبه مع صديقه الذي يوازيه في العمر. كان فرحاً رغم هذا التعب والمعاناة والرحلة الطويلة، لم نكن نريد أن يفوز القارب الذي يحمل العجوز ولكن كنا ندعو بأن يعود به سالماً. كان ينظر إلى الشراع والبحر بفرح عظيم وكأن حلماً عظيماً تحقق له، حيث عاد السباق والعود أحمد وهو مع البحّارة حتى لو كان مستلقياً على جنبه، كان الأهم لديه ألا يقام السباق دون أن تكون له مشاركة وإن كانت معنوية. صير بونعير، جزيرة رائعة وكأنها هدية السماء العظيمة خاصة لأهلنا البحّارة القدامى، لنتخيل هذا البحر الواسع والعميق جداً، حيث المسافة بعيدة جداً عن السواحل وحيث إن البحر لا يؤتمن، تأتي الرياح شديدة وعاصفة دون إنذار، هذه الجزيرة القابعة في وسط الخليج العربي، كانت المرسى وبر الأمان لأهلنا البحّارة، حيث كانت على شكل ميناء طبيعي يحمي السفن من عاديات وغضب البحر، واليوم هذه الجزيرة وهذا السباق، القفال يعيد ذاكرة الماضي بروح الشباب الجدد وبرعاية وتشجيع من قدامى أهل البحر. أتذكر رحلة قديمة ليّ مع الأصدقاء إلى هذه الجزيرة، ذهب الرفاق إلى الصيد مبتعدين في عمق البحر، وجلست مع أحد الأصدقاء لإعداد وجبة العشاء، أعددنا كل شيء، السمك، والرز جاهز ينتظر النار، فقط الملح قد نسيناه في القارب، بعد تفكير طويل وضعنا أكواب عدة من البحر على الماء العذب، وأعددنا وجبة العشاء كانت رائحتها جميلة وشهية، جاء الرفاق من الصيد جوعى، ولكن المفاجأة أنهم لم يتحملوا مرارة البحر، نالنا عتاب كبير وزعل، ولكن الرحلة مضت جميلة بعد ذلك وكانت الجزيرة الجميلة وظلال الأشرعة “ديمَةٌ” تسقي البحر وتبعث الفرح. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com