قبل أكثر من ثلاثين عاما انتشرت شائعة في أبوظبي بأن البلدية تستعد لتخطيط وتعمير منطقة الضبعية وتوزيعها على الموجودين فيها من الأهالي. انتشرت الشائعة بين الناس كالنار في الهشيم-كما يقال في الأمثال-. وإذا بالمنطقة الهادئة التي لم يكن فيها سوى بضعة أكواخ متناثرة للصيادين تستقبل مئات الأشخاص الذين خاضوا سباقاً مع الوقت لتسوير مساحات الأرض التي منحوها لأنفسهم، وأقاموا على عجل بيوتاً من “ الشنكو” لإثبات تواجدهم في المكان. كنا صغارا نرقب هذا المشهد غير العادي للكبار وهم منخرطون في نشر الخشب وتقطيعه بينما كنا نسبح في المياه الصافية الزرقة.
كانت مؤسسات البلدية والدوائر الرسمية في طور التشكل، ولم يستوقف الجمع كيف يمكن أن تكون مسائل تتعلق بتملك ارض في تلك المنطقة بمثل هذه البساطة والفوضوية؟ لم تمض سوى بضع ساعات حتى جاءت آليات البلدية لتزيل تلك المخالفات والبناء العشوائي، ووجدنا الأخشاب التي تحمل أحلام وأسماء “مُلاك الغفلة” لبيوت وشاليهات وهمية تسبح الى جوارنا، وانتهى الحلم لنستيقظ على الحقيقة، وان كانت مٌرة. وبدأنا نسخر من سذاجتنا والمستفيد من اطلاق شائعة كتلك، ووجهنا أصابع الاتهام لشخص آسيوي كان يبيع الأخشاب في مصفح، لأنه حقق مبيعات فلكية من بضاعته خلال يومين، ربما اكثر مما سيبيع خلال شهور. فقد كان محله الصغير والمتهالك مشرع الباب لتلبية طلبات الحالمين.
استعدت ذلك الموقف بينما كنت أقرأ تصريحات جاءت متأخرة كثيرا لخليفة محمد المزروعي مدير بلدية أبوظبي المنشورة في “الاتحاد” أمس، والتي نفى فيها شائعة توزيع أراض تجارية في أبوظبي. وأقول إنها متأخرة حتى بالنسبة للمقاييس التي كانت تعمل بها البلدية قبل ثلاثين عاما.
فقد جاء النفي بعد أن استقبلت إدارة خدمة العملاء في بلدية مدينة أبوظبي 10 آلاف معاملة أراض تجارية، وذلك خلال الأسبوع الأول من انتشار “الشائعة”، وتلقت طلب استخراج شهادة” لا يملك” التي يبلغ رسم استخراجها 200 درهم. الأمر الذي در على خزينة البلدية ما لا يقل عن مليوني درهم تقريباً خلال تلك الفترة. ثم كانت هناك حشود المراجعين التي غمرت مباني البلدية وتتطلب تنظيم دخولها للمبنى الاستعانة بالشرطة. حتى الذين شككوا في جدية الأمر منذ البداية، وجدوا أنفسهم يصدقونه، وهم يسمعون القاصي والداني يركض باتجاه البلدية على طريقة” تلحق أو ما تلحق”. كان أمام البلدية فرصة مبكرة لتوضيح الأمر، لكنها تركت الحشود تكبر وتكبر حتى كاد أن يصدق الشائعة من أطلقها بحسب ما يقال للتدليل على قوتها. إن ما نأمله أن يكون هذا الموقف وما تبعه من مظاهر حافزا للبلدية للتعامل الشفاف مع المراجعين ووسائل لتوضيح أي أمر منذ البداية، من دون أي إرباك وأعباء على افراد الجمهور، خاصة أن وسائل الاتصال المتاحة اليوم أكثر تطورا ويسرا.
وهناك كلمة أخيرة للجمهور الذي يفترض أن يكون اكثر وعيا وإدراكا في التعامل مع ما يرد من شائعات ومعلومات من خلال” الايميل” أو”مسجات” أجهزة الهاتف النقال، وبالذات” البلاك بيري” الذي تحول على يد البعض منا الى مطبخ جاهز لإطلاق الشائعات.

ali.alamodi@admedia.ae