في شتاء يستعين برذاذ المطر، ويتعطر بلون الشجر، ويتلّون بالرمل الأحمر، هناك في عوافي، عند الشفة الرملية المتعالية، فضاء رحب، بنسائم الجغرافيا الحالمة، ترفرف العباءات، وتنصع الغتر، والمكان مزهُو بناسه وحراسه، وجلاسه، والأنفاس التي تهفهف كما هي وريقات الغاف، في مهرجان جلفاري، اعتاده التاريخ وألفته صحراء الوطن الجميل.. ولكن، كما يقول المثل الشعبي: الحلو ما يكمل.. هناك نفوس أشبه بالنعوش، دائماً تحمل في أجوائها شكل الفقدان، نفوس فقدت الأصالة، ونبل الناس الطيبين، وشهامة الأوفياء.
نفوس تتعمد إشاعة الفوضى وإحالة المكان إلى لا مكان، نفوس تعتدي على السكينة، وتغتال الوداعة، وتستولي على القيم، وتشيع جواً من الغوغاء في أي مكان، تحتل فيه أو ترتحل إليه.. في عوافي، البعض يفضل أن ينشئ مملكته الخاصة، مملكة تستعين بأخلاق الغاب، وقيم الوحوش الضارية، ومبادئ أهل البلد، بما تتسم به من حِلم، وحُلم، أشخاص يحبون إقلاق راحة الآخرين، وتشويه الصورة، ورسم العبوس على الوجوه، فنجد بعض سيارات الفورويل، تطوف المكان في خيلاء وتجبُّر، وقد كشف سائقوها عن زجاج النوافذ، وأشعلوا أصوات المسجلات الناهقة بأصوات مزمجرة، أضف إلى ذلك المزودات والمشفطات، في هذه الآلة الحديدية الفتاكة، ما يجعلها تسير على الأرض طائرة مستطيرة، تخض الرمال خضاً، وترج الأرض رجاً، وبعضهم يتجاوز حدود اللياقة، ما يجعله يفتح نافذة الشغف، ليظهر نصفه العلوي من السيارة، ويظل راقصاً زاحفاً في فراغ المكان، متجاهلاً ما يحيط به من أُسر، وأناس آمنين، وبصور استعراضية مزرية يمارس حركاته البهلوانية، وعلى الرغم من تواجد دوريات الشرطة، ومحاولاتها تهدئة الخواطر، وبعث جو من الاستقرار في المكان، وتنبيه الشباب إلى أن المكان مكان للراحة والاستجمام، وتقضية أوقات سعيدة، إلا أن كل هذه النداءات والتحذيرات والتوبيخ أحياناً، لا يجدي نفعاً مع أشخاص يتجاوزون القانون، كما يتجاوزون حدود الأخلاق، والسيارات التي يمرون من محيطها بسرعة البرق.
نقول لشبابنا: استريحوا يا شباب، وأريحوا غيركم، حتى لا تندموا يوم لا ينفع الندم، وحتى لا تتقاطر دموع الأهل، إن حصل مكروه لكم، لا قدَّر الله، وحتى لا يفقد الوطن أعز ما لديه، فأنتم الرصيد، وأنتم المسند الذي يتكئ عليه زند الوطن، وبفعل هذه الفوضى واللامبالاة والغرور، فقد الوطن الكثير من أبنائه، واحترقت قلوب، وتثكَّلت أمهات، وترمَّلت زوجات، وتيتَّم أطفال.. فاحفظوا أنفسكم يحفظكم الله، وحافظوا على قيمكم، تكونوا الذخر والفخر والحصن والسكنى، والأمل ونور المقل، وتيقَّنوا أن لطاقاتكم وإبداعاتكم مكاناً غير هذا المكان.


marafea@emi.ae