العقائد، التي تسكن النفوس، كما هي الأجساد، فعندما تتسخ تمرض وتصاب بالوهن والاضمحلال، ويكون وباؤها عارماً، يضرم نيرانه بكل من يحيط به.. العقائد عندما تصاب بالتشويش والتشويه، فإنها تفقد لونها ورونقها، وبالتالي تصبح بلا لون، ولا أثر لها على أصحابها، الأمر الذي يجعلهم أشبه بالأوعية الخالية، تسمع لها قرقعة وبلا مضمون.. العقائد عندما تكون أحلاماً كابوسية، فإنها مفزعة، مجزعة، لا تصيب النائم إلا بمس من الجنون.. العقائد عندما تتحول إلى رحلة إجبارية في صحراء قاحلة، فإن أصحابها يصابون بشظف الجوع، وشغف الوصول إلى نهايات، ولا نهاية غير الموت في أسفل كثبان رملية مقفرة.. العقائد عندما تصير فناً من فنون التهويم، والتغويم والتعتيم، والتسليم من دون تقويم أو تقييم، فإنها لعنة من رجوم الشياطين.. العقائد عندما تلج لجوج الطير في وحل الفراغ، فإنها تأخذ بأصحابها إلى مهالك السوء، فلا يملكون غير الامتعاض والارتضاض، والانحضاض، وكي الأرض بمساعر الحقد والبغضاء.
العقائد عندما يتلقفها من لا يعي أهميتها ودورها، فإنها تصبح كدمية في أيدي صغار يحطمون أواصرها وأصولها، بعد لهو وعبث.. العقائد عندما تفقد المرجعية الدينية التي تحفظ الود بالأوطان، كما تمارس العشق الإلهي بالأديان، فإنها تصير جوفاء، عجفاء، بلا قيمة ولا قامة، ولا يكسب أصحابها غير تثبيط الهمم والندامة.. العقائد بكل صراحة حلم الإنسان على الأرض، بعقد مذكرة التفاهم ما بينه والمحيط الذي حوله، ولا يتحقق ذلك، إلا بقوة الإيمان بأن لهذا المحيط خالقاً يجب مراعاة ما تسديه عقائده، والتأكيد على الالتزام بها، وأول الثوابت حقن دماء البشر، والانتماء إلى هذا الكون، كون الإنسان جزءاً من مجرَّاته وكويكباته.. إذاً نحن بحاجة إلى ثقافة، بثوب يتسع كل الأجساد، بفكرة مضمونها، أنا والآخر، في القارب الواحد، وكي لا نغرق لابد أن تذهب المجاديف باتجاه واحد، لنرسو جميعاً عند فكرة الحب الإلهي، الذي هو حب الإنسان للإنسان.
بطبيعة الحال نحن وبعد قرون من حروب الطوائف واللفائف، نحتاج إلى صياغة جديدة، وإلى تنشئة تعيد ترتيب المبعثر من أفكارنا، وتستعيد ما تشرَّد من مشاعرنا، لنعرف أن الله حق، وأن الخلاف مع الآخر لا يعني الانتحار أو النحر.. نحن بحاجة إلى عملة ذهنية جديدة، تعيد تصريف أحوالنا الثقافية، وتمنع هذا الكساد الأخلاقي، وتردع الفساد الثقافي، وتبني من جديد مشاعر الإنسان، الذي شطته النوايا والرزايا، وأحبطته شعارات أقرب إلى سواد الليل، وأدنى كثيراً من وعورة الوهاد، وخشونة الشعاب الشوكية.. نحن نحتاج إلى وعي بأهمية تخلي الإنسان عن ذاتيته ليصير جزءاً من الآخر، وبالتالي تكون العقيدة ملكاً للجميع.. وبلا مصادرة..


marafea@emi.ae