«صباح الخير ياست هانم.. عايزة عربية».. «عم عبدو عايزة اثنين طعمية من فضلك».. «مفيش أتوبيس الساعة دي.. يالله هأضيها مشي على رجليا»..«أخبار.. أهرام.. جمهورية».. «هانزل النيل.. أشوف الرزق إيه النهاردة».. «أقول يارب» «كله على الله».. «أنت بتزمر لمين الساعة دي».. «ماما أم أحمد جارتنا بتسلم عليك».. «إيه ياعم جورج ما بتجيش ليه خير اللهم أجعله خير».. «أسمع النكتة دي.. لسة طازه».. «الكهربة انقطعت يا فاطمة يا أختي».. «حمدالله على السلامة أنت جيت أمتى».. أصوات وجمل أختزنتها أذناي.. تحمل الكثير من بساطة أهل الكنانة وتحكي عن حياتهم اليومية. أصوات حملتني على بساط الريح لأبدأ رحلتي من وسط البلد.. السيدة زينب.. مصر الجديدة.. المعادي.. الزمالك.. 6 أكتوبر.. الجيزة .. القاهرة بكل شوارعها وحواريها.. الإسكندرية ببحرها بورسعيد بمنافذها والصعيد بأصالته، أسوان وشرم الشيخ بنسيمهما المشرق. على طول الطريق تقف وجوه محفورة بالقرب من شواطئ هذا النيل الأزرق.. أليس هذا طه حسين يقف بالقرب من نجيب محفوظ ونجيب الريحاني وعبد الحليم؟ هل هذا صوته أم أنها أمواج النيل ومحمد عبد الوهاب يعزف بنسيم الأزرق وأم كلثوم «مصر التي أحبها»؟.. وغيرهم كثير ففي مصر لا تقف عند أسماء بعينها ومبدعوها أكثر من حبات ترابها. لم تنته الرحلة، فها أنت تمر بالمقاهي وزخات المطر تبلل الشوارع هناك من يحتمي بمظلاته وهناك من يستمتع بالجو ويركب «الحنطور»، ويرى الناس بالقرب من النهر تتسامر وهناك عدد من البسطات والأكشاك تحيط بهم لكن بائع «الترمس» الأقرب. وتحت السماء الملبدة بالغيوم، ترى الوجوه من حولك باسمة والنيل يتلألأ فتدرك أنك حتماً تمشي على أرض «المحروسة». وروى الإمام مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنكم ستفتحون أرضاً يُذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذِمَة ورَحَمِة». وما زالت أصداء أبيات حافظ إبراهيم في قصيدته الشهيرة «مصر تتحدث عن نفسها» تدور حول أرض الكنانة: وقف الخلق ينظرون جميعـاً كيف أبنى قواعد المجد وحدي وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكــــــلام عند التحدي أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراتـــــــه فرائــــــــد عقـدي أي شيء في الغرب قد بهر الناس جمالاِّ ولـم يكــــــن منه عندي لم يسبق لي أن زرت مصر، ولم أتعرف على شوارعها ولم أشرب من نيلها ولم أتعرف على أهراماتها.. لم أعرف إلا بعض الأشخاص هم حكوا عنها، كما لم تخل القصص التي بين يدي من ذكرها.. الكتب والروايات صورتها لنا الشاشات، جمعت كل تلك الخيوط وغيرها لأنسج في خيالي وأجوب شوارع مصر وأتعرف على ناسها وأحدثهم عن الأمس واليوم. نحن نرسم الصور بناءً على المعطيات ونتمنى أن يكون الأصل أجمل من الصورة وبكل تأكيد هي أجمل.. ولا أملك إلا الأمنيات بأن تظل مصر جميلة بكل ما فيها ومن فيها... أمينة عوض | ameena.awadh@admedia.ae