دائماً ما أجلس أمام النجوم الكبار، حالي حال الكثيرين مثلي، من أجل أن أتعلم، وحتى أستفيد من هدوئهم ومن رؤيتهم التي تستند إلى حكمة الكبار ورويتهم وتجاربهم الثرية، غير أنني بالأمس، تحول كل ذلك إلى النقيض تماماً، حتى قلت في نفسي: ليتني ما سمعت تصريح الكابتن عبد الرحمن محمد المستشار الفني لشركة النصر لكرة القدم، ونجم المنتخب والنصر السابق، والمحلل الفني في قناة الجزيرة.
كنت أود أن أسمع تصريحات عبد الرحمن محمد من صديق أو مشاهد.. ربما كنت وقتها سأقول إن الكلام قد زاد أو تم تحريفه أو كعادتنا أحياناً حولناه إلى «أزمة» بلا داعٍ، ولكن المشكلة أنني سمعته بأذني، وشاهدته بعيني، وحاولت أن أفسر الكلام تفسيرات هينة فلم أستطع، لأن ما قاله الكابتن لم يمس فقط جماهير الناديين وإنما مس فينا ما هو أعمق من ذلك بكثير.
الكابتن عبد الرحمن أزعجه فوز الجزيرة على ناديه النصر، فنسي لبعض الوقت التفرقة بين ما يقال وما لا يقال، وهاجم حكم المباراة فريد علي، مؤكداً أنه كان يرى ضرورة أن يدير المباراة حكم محايد طالما أن الفريقين أحدهما من أبوظبي وهو الجزيرة والآخر من دبي وهو النصر..لا أن يكون الحكم من أبوظبي.
هذا ما قاله، وعلى الرغم من قلة الكلمات إلا أنها نالت الكثير من رصيده في قلوبنا، فليس الفريقان من قارتين مختلفتين وليسا عدوين، حتى نطالب بحكم محايد لهما، ولو فتحنا الباب أمام هذه النظرية فالأولى ألا نلعب الكرة من أساسها فكل أنديتنا واحد، وحكامنا سواء كانوا من أبوظبي أو دبي أو من الشارقة أو أي من إماراتنا التي رسمناها في القلوب، دون تفرقة بين شقيق وآخر، ولم يعد ممكناً بعد أن قال ما قال أن يعود ليفسر تصريحه تفسيرات أخرى، فقد كان الأولى به من الأساس ألا يقول، وبعد أن صدر عنه ما قاله، فليس متاحاً له سوى الاعتذار، ليس للجزيرة، وإنما للنصر أيضاً ولعموم المشاهدين والمستمعين الذين «أذاهم» الكابتن بتصريحه «السقطة».
منذ أن قال عبد الرحمن محمد ما قاله أمس والهواتف لم تتوقف والعشرات يطالبون بما هو أكبر من مجرد الرد، لا سيما وأن الرجل يمثل صوت العقل لكرة الإمارات في قناة الجزيرة الرياضية، ونحن لا نقبل أن تكون قناعات سفيرنا التحليلي بهذه الصورة وهذه النظرة، ولو صدر مثل ذلك التصريح من طفل يشجع نادياً ما قبلناه، فماذا نفعل والتصريح صادر من رياضي بحجم عبد الرحمن محمد.
لا أريد بالطبع أن أعدد صور وحدة الكرة الإماراتية وأنها بالفعل جسد واحد وروح واحدة، لأنني لو فعلت ذلك، سأكون كمن يجد تفسيراً لهذه الكلمات غير الصائبة، ولكن عليه بنفسه أن يراجع جيداً كل جولات دورينا، وسيدرك كيف أن حكامنا ولاعبينا وحتى جمهورنا في واد، بينما هو في واد آخر، ويبدو أن السفر الطويل أنساه الكثير، فقال كلمته التي ربما تهدم كثيراً ما بناه.
كلمة أخيرة:
هناك كلمة تسمو بصاحبها، وأخرى تهوي به، وأحياناً يكون الصمت أفضل ألف مرة من حديث يُسقط بصاحبه


mohamed.albade@admedia.ae