الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأكاديمية كمنطلق للعمل المسرحي

9 فبراير 2011 19:29
يتضاعف عدد الأكاديميات الفنية في العالم العربي، وهو على ازدياد مطرد، وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على الوعي بأهمية دورها المجتمعي، وبأهمية الدور الأكاديمي في تنمية الحركة المسرحية وتطويرها. وبما أن الأكاديمية تضم المعاهد الفنية المتنوعة: المسرحية والسينمائية والتشكيلية والموسيقية، فنحن سنركز بدورنا على دراسة المسرح الأكاديمي الذي يفترض أن يستند الى بنية تحتية مدروسة وممنهجة تضع أسس الاختصاص في المسرح لأن المسرح يقوم على نظريات ومدارس واتجاهات متنوعة في النصوص المسرحية والنظريات النقدية وأسس التمثيل ومدارس الإخراج. نظرة قسمت المعاهد المسرحية الأكاديمية الدراسة الى ثلاثة أقسام: النقد والتمثيل والإخراج والديكور المسرحي، لكن هذه الأقسام لم تكن مشتركة في المعاهد العربية الأخرى: مثلاً في كلية الفنون في لبنان، وفي قسم المسرح لم يكن هناك سوى قسمي التمثيل والهندسة المعمارية والرسم / الفن التشكيلي والنحت، وحتى اليوم لم يخصص قسم خاص للنقد والديكور المسرحي كما في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، بل رصدت لكل منهما مادة تدرس في قسم التمثيل، وهي النقد الفني، والسينوغرافيا. كما أن أسس وشكل الدراسة لم يكن متشابهاً أو معتمداً منهجية أكاديمية مشتركة أيضاً في كافة البلاد العربية: ففي عدد من البلاد العربية ما زالت الممارسة المسرحية تستند الى تنمية المواهب والهوية وتطويرهما عبر ورش العمل عبر اقتصار التدريس على بعض المواد، وهي لا تنطلق من نظم وهيكلية أكاديمية (السعودية واليمن وعمان التي كانت تدرس المسرح الجامعي ثم أقفل القسم التابع للجامعة)، أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد قامت بمساعي حاكمها المثقف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بتشييد معهد الشارقة للفنون المسرحية عام 1999 الذي جُهز بأحدث المعدات والأجهزة ليكون مكاناً مناسباً للعروض المسرحية، ولإقامة الدورات التدريبية، والورش والمختبرات المسرحية، والتحصيل الأكاديمي. إذن هناك اختلاف وتنوع في فلسفة وضع المناهج في المعاهد الأكاديمية لتدريس المسرح، وفي آلية تدريس المسرح. من خلال عملية رصد للمناهج التي تدرس في المعاهد المسرحية الأكاديمية تبين لنا أن هناك معاهد تأسست في ستينيات القرن العشرين - باستثناء مصر التي تأسس فيها معهد الفنون المسرحية في الأربعينيات من القرن العشرين، وقد نهلت هذه المعاهد موادها من مصادر فرنسية أو أميركية أو انجليزية وآسيوية، ولكن المنطلق كان تدريس مواد البنية الدرامية للنص ومكوناته، والمراحل التاريخية التي مر بها النص الدرامي ابتداء من استلهامه ثيمته من الملحام الالياذة، وصولاً الى تبلور النص وتقعيده وتسنينه وتجن يسه في كتاب فن الشر لأرسطو، مروراً بالنص الديني والشكسبيري والكلاسيكي الجديد والرومانسي والواقعي والحديث السريالي والى آخره. يترافق ذلك مع دراسة الكتاب الدراميين وما أضافه كل منهم تبعاً للتير الذي ابتدعه وفقاً للسياق الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي كتبوا فيه نصوصهم، ويتم تدريس ذلك الشق النظري الى جانب مواد مثل أسس تمثيل ومدارس إخراج وتدريب الممثل وإعداده وتطويع جسده ليصبح قابلاً للحركة على الخشبة المسرحية، وليصل مرحلة التخرج وفيها يعد مشروعه ويقدمه. مناهج هذا التوصيف الموجز للمناهج نجده مشتركاً بين عدد كبير من الكليات والمعاهد الأكاديمية المسرحية العربية، وهي التي وضعت كمرحلة معرفية تأسيسية فكرية وجسدية للطالب المسرحي، ولكن لابد من المساءلة عن فلسفة وضع هذه المواد، لماذا تم اختيار هذه أو تلك من المواد، ولماذا تمت الاستعانة بهذا المنبع أو ذلك، وهل راعى هذا الاختيار السياق المعرفي والثقافي والفني والسياسي والاجتماعي للبنية التي يعيش فيا الطالب، وهل رد على طموحاته الفنية؟ فمن المعروف أن المسرح كان يخضع لتغيرات كثيرة سواء على مستوى التركيبة والشكل أو على مستوى المضمون والوظائف، مرتبطاً في ذلك بمجموع التغييرات التي تحدث في المجتمع، ذلك أنه كان منذ نشأته ظاهرة اجتماعية منخرطة في التعبير عن الواقع الاجتماعي والوعي الجماعي سواء كان ذلك بطريقة واعية أو غير واعية، حيث إن التركيبة والشكل والمضمون والممارسة كانت في غالبها نتاجاً اجتماعياً بشكل مباشر أو غير مباشر، وكون هذه الظاهرة متجذرة في الواقع ممثلة عنصراً من العناصر المكونة للمجمع، وكان لزاماً أن تتأثر بمجموع القوانين العامة التي تسيره والتغيير الاجتماعي أبرز تمثلاتها، إذ عرف المسرح تغيرات شبيهة بالتغيرات التي عرفتها المجتمعات الحاضنة له، كما كان مساهماً بطريقة أو بأخرى في إحداث تغييرات اجتماعية في إطار وظيفته الاجتماعية التي عرفت أوجهاً عديدة بدءاً بالمرحلة الإغريقية الأولى الى اليوم. ففي البداية كانت “إثارة الشفقة والخوف مما يؤدي الى التطهير”، ثم تعددت التسميات وتنوعت: من وظائف مرتبطة بالتسلية وأخرى متمثلة في كشف الطبيعة الحقيقية للعلاقات الاجتماعية، والكشف عن الأصالة الحقيقية للحياة الواقعية والتأثير على الطبيعة النفسية. من هذا المنطلق نلتفت للبحث في علاقة المسرح العربي ومناهج تدريسه بهذه السياقات من خلال ثلاث مرحل مر بها: - المرحلة الأولى وهي مرحلة التعرف الى المسح وممارسته عن طريق الهواية والاهتداء الى بعض النصوص المسرحية عن طريق الاقتباس والتأليف، وكانت السمة الغالبة لهذا المسرح هو التساوق مع البيئة الاجتماعية والسياسية من خلال انتقائية نصوص تتلاءم ومعطيات المرحلة. - المرحلة الثانية مرحلة التأسيس الأكاديمي لتدريس المسرح. أحدث المؤسسون وهم في أغلبهم ممارسو المسرح وخبراء فيه ولكن منهم من تلقى علومه المسرحية في الخارج، القطيعة مع المراحل التي سبقتهم، أي مرحلة العشرينات الذي كان يعتمد على النص الأدبي، وكان التمثيل فيه عبارة عن حوار خطابي يلقيه المؤدي على الخشبة المسرحية. وعندما بدأوا بتأسيس المعاهد والكليات في عدد من الدول العربية ابتداء من الخمسينات من القرن العشرين لم تكن لديهم نظريات مسرحية ولا بنية تحتية للمسرح، لذلك اعتمدوا على مناهج ونظريات غربية ومارسوا المسرح وقدموه على الخشبة العربية مطبقين هذه النظريات والاتجاهات المسرحية الغربية. نصوص وقد استعان بعض هؤلاء المسرحيين في الستينيات وحتي الثمانينيات بنصوص درامية تتوافر فيها شروط النص الدرامي فاقتبسوها أو ترجموها، واستعانوا منها بما ينتمي الى الاتجاهات المسرحية التي تتوافق مع الواقع الاجتماعي والسياسي في العالم العربي في تلك المرحلة التي اتسمت بالحراك السياسي والدعوات الى النضال الاجتماعي والسياسي فكتبت النصوص ذات التوجه السياسي والمتأثرة بنصوص بريش وبير فايس، وذات التوجه الاجتماعي متأثرين بالكتاب المسرحيين الذين عالجوا القضايا الاجتماعية ورائد الاتجاه الاجتماعي في المسرح في تلك المرحلة كان هنريك ابسن وقد عمد عدد من الكتاب المسرحيين العرب والخليجيين الى كتابة النص المسرحي والواقعي/ الاجتماعي. وخضع المسرح العربي في تلك المرحلة لشروط نظرية العرض التي تركز على الأداء الجسدي والتمثيل بالمدارس الإخراجية والتمثيل التي وضعها ستانسلافسكي وميرهولد وغروتوفسكي وارتو وغيرهم. فقد بدأ تطبيق طرق وأساليب الأداء التمثيلي المعتمد على الجسد بعدما كان يعتمد فقط على الخطابة والأداء القولي / الحواري، واختلفت هذه الطرق والأساليب باختلاف السياسات الثقافية والواقع الاجتماعي الخاص بكل بلد، ففي لبنان مثلاً كان قد بدأ العمل على الأداء الجسدي، بدءاً من مدرسة المسرح الحديث الذي أسسه منير أبو دبس، ثم بدأ التغيير يطال شكل الخشبة المسرحية بظهور الحكواتي وكسر الحائط الرابع، وتشكلت حركة مسرحية سميت في كل البلاد العربية بمرحلة العصر الذهبي للمسرح فاستعانوا بالشاشات تيمناً ببريخت وسلطوا التركيز على الإضاءة برينهاردت، لكن المسرحيين لم يجيدوا ممارسة هذا التغيير لقلة توفر عناصر الإبداع لديهم لقلة توفر الأدوات التقنية في المسرح. وانتقل هذا المسرح الأكاديمي خارج أسوار الأكاديمية بدأ يبحث عن الجمهور الذي كان ما يزال يختزن الثقافة الكلاسيكية، والذي لم يكن معداًِ فكرياً وثقافياً لتقبل هذا المسرح، باستثناء الجمهور المثقف والمسيس والمنتمي الى أحزاب يسارية ذات التطلعات التغييرية الذي كان مؤهلاً للمشاركة في هذه الظاهرة الثقافية النوعية، أي هذا النوع من المسارح الذي يعبر عن نقد للأوضاع القائمة أو تحريض للطبقة المضطهدة أو تثوير لها، إنه مسرح يهدف الى تغيير العالم وتغيير وعي الإنسان به، مسرح مناضل بطرق متفاوتة يساهم في تنشئة الإنسان الجديد وتدريبه. تجاوز وفي المرحلة الثالثة، وتساوقا مع التطورات التكنولوجية التي حدثت في العالم على المستوى التقني والفني وسوق الإنتاج في مرحلة التسعينيات، وعت بعض المعاهد الأكاديمية لأهمية هذه التطورات، فوجدت أنه لا بد من توسيع حيز العلاقة مع الإنتاج ووضعه في موقع يوازي هذه التطورات، فاقترحت مواد تمكن الطالب من استخدام الإضاءة، والمؤثرات الصوتية، والعلاقة مع الصور وتقنياتها فأنشأت هذه المعاهد المختبرات، وبدأت تعد الطالب ليتخرج وهو يمتلك المعرفة التقنية وكانت بذلك تستشرف مستقبل علاقة الخريجين بالسوق قبل أن ينخرط في سوق العمل المسرحي. وبالعمل بالإضافة الى إنتاجه المسرحي كممثل ومخرج وسينوغراف، كما قررت مواد ترتبط بالقانون لتعرف الخريج الى حقوقه عندما يزاول المسرح ويمارسه. اعطي نموذجاً عن هذه المناهج التي استحدثت في معهد الفنون/ الجامعة اللبنانية وكذلك الجامعة اليسوعية، فقد أحدثت المناهج تغيراً كبيراً في موادها على المستوى التقني، فلم تقصر مواد الدراسة على النظري والتطبيقي فذهبت الى إضافة مواد تتعلق بالميديا أو السينما والتليفزيون، وتشمل التركيبات السمعية البصرية في العرض، واستخدام مواد تقنية في الإضاءة والتصوير السينمائي والتليفزيوني، وأقامت شراكة مع الإذاعة في إطار المسرح الإذاعي، كما أقامت اتصالات مع التلفزة أيضاً. أما المواد النظرية الأساسية في المعاهد الأخرى فظلت على حالها ولم يجر عليها تعديل أو إضافة، وحتى المواد المتعلقة بالتمثيل والإخراج. شروط وظهرت بعد مرحلة التسعينيات مفاهيم مسرحية جديدة ما بعد حداثية مثل: conceptuel، art، ما بعد المفاهيم المطلقة: conceptualisme الدادئية الجديدة neo-Dadaisme، الفن الفقير أو المتقشف (المتصحر): L’ art Pauvre، العرض أو فن الأداء: Performance d’art وتقنيات الفيديو آرت، والتشكيل، استخدم بعضها المسرحيون الشباب في مسرحهم minimalisme الاختصارية (الحد الأدنى). تناسبت هذه المفاهيم ما بعد حداثية مع ثقافة ما بعد الحداثة وأنماطها الجديدة حيث نجد طمس الحدود بين الفن والحياة اليومية ومحوها وإزالة التسلسل الهرمي بين الراقي والجماهيري في الثقافة الدارجة وتفضيل الأسلوب الانتقائي المشوش، وتمازج الثغرات، والمحاكاة الساخرة parody، والهزل والمزاح playfulness، والاحتفال بالمظهر الخارجي “بالثقافة التي لا عمق لها” depthlessness، وانحدار الأصالة / العبقرية للمنتج الفني والادعاء بأن الفن لا يسعه إل أن يكون مجرد تكرار (16) وشكلت هذه الأنماط سمات أساسية في خطاب المسرحيين الشباب. والسؤال المطروح الآن وبعد حدوث هذه التطورات، كيف يمكن أن يخرج المسرح اليوم خارج أسوار الأكاديمية، وكيف يسهم في تنمية وتفعيل الحالة المسرحية؟ وكيف يمكن تمكن المناهج الأكاديمية بحالتها التقليدية أن تمكن الخريج من الإسهام في دينامية الحركة المسرحية؟ يمارس هذا الجيل المسرح اليوم بمنأى عن كل ما تصوغه المناهج الأكاديمية من مواد، فما زالت أغلب المعاهد الأكاديمية المسرحية تدرس المناهج نفسها، مع العلم بأن بعض المعاهد الأخرى كما ذكرنا قد أجرت تغييرات وتعديلات في بعض المواد وأضافت مواد أخرى. وتقتضي الضرورة بتحديث المناهج وتمكينها من تنمية الحركة المسرحية للأسباب التالية: - إن أغلب عروض الخريجين التي تقدم اليوم على خشبة المسرح خارج أسوار الأكاديمية تعتمد التكنولوجيا بوجهيها التقليدي والحداثي كعنصر أساسي في التشكيل البصري، وبدأت تدمغ تجارب معينة بطابع فريد. استخدمها هؤلاء في مسرحهم دون أن ينطلقوا من قاعدة أكاديمية لأنها لم تكن مدرجة ضمن مناهج التدريس، فمواد التمثيل مثلاً تفتقر الى ما ظهر حديثاً من نظريات حول الأداء وفن الأداء والتمثيل مما سبق وذكرنا، لذا استخدام هؤلاء الخريجون الجدد طريقة وأساليب تمثيل وأداء تغاير أحياناً ما يتم تدريسه في المعهد، لا بل تنأى عنه في أغلب عروضهم. - تغير المفهوم الجمالي للعرض وللنص وبنيته الدرامية، لم يضف المعهد الى مواد علم الجمال أو الجماليات ما حدث من تغيرات جمالية وفنية وبنائية وتجنيسية متنوعة للمسرح، في حين أن الشباب المسرحيين بدأوا يصيغون مفاهيم ما بعد حداثية تتلاءم ومعارفهم، وينخرطون ويتفاعلون مع مستجدات سمتها الخاصة إيقاع سريع مرتبط بإيقاع العصر، حيث حدث الانقلاب العالمي للتقنيات، وأزيلت الحواجز وانفتحت الثقافات وحصل تواصل ثقافي بين كل الأجناس والجنسيات والقارات، وبدأ الجيل المسرحي يستعين بما تراه عينه وبما يستخدمه من تقنيات ويتفاعل مع الثقافات الأخرى، وبدأ يستشعر الغربة بين ما يتم تلقيه في المعاهد والأكاديميات وبين ما يتم خارج السور الأكاديمي، وراح يتجاوز التكوين الأكاديمي، ونحن لا نقلل من أهمية التجاوز، فهذا ضروري وصحي لأن يكونوا مشاغبين، ويعلمون كيف يطرحون الأسئلة ولكن شرط أن ينطلق الخريج من معارف وتكوين معرفي وعلمي متطور. * أستاذة في الجامعة اللبنانية، والنص من ورقة قدمتها في ملتقى الشارقة للمسرح العربي، الذي انعقد يومي 5 و6 يناير 2011
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©