نسمع قصصاً كثيرة عن الدَّيْنَ، فهذا استدان مبلغاً من صديق، وبعد ذلك كما يقال «شمّع الخيط» وتوارى عن الأنظار، وذاك أنكر الدين، وآخر اختلق الأعذار الكاذبة، وو... ما إلى هناك من حلقات مسلسل الدين وصدماته التي لا تنتهي، وللأسف اختلط الحابل بالنابل، فلم يعد أحد يثق بأحد ليديّنه، وقد يكون طالب الدين مضطراً أو في عسر حقيقي، وفي أمسّ الحاجة لمبلغ ما، ولكن ما انتشر من قصص وتجارب مريرة في الدين منع بعض القادرين على الإقراض من تفريج كربة دين لصديق أو جار، أو حتى أخ، ونتحسر اليوم على أيام ليست بالبعيدة جداً كيف كانت حال الآباء والأجداد، على قلة ذات يدهم وفقرهم كانوا يتسابقون في تفريج هم محتاج إلى الدين، فيبيعون بعض أشيائهم وحاجاتهم الضرورية، ليقرضوا طالب دين، بل كانوا يستقرضون ليقرضوا، وقد جاء صديق لوالدي رحمه الله في ليلة من ليالي الشتاء القارس، يريد مبلغاً من المال، ولم يكن متوافراً لدى والدي، فرد عليه قائلاً: أبْشِرْ، الصباح رباح، توكل على الله، سأمرّ عليك بالمبلغ صباحاً، فما كان من والدي إلا أن انطلق في الحال ولم يعد إلا والمبلغ في جيبه! من جرّب الدَّيْنَ عرف مرارته، فترى المستدين يغير طريقه إذا لمح الدائن من بعيد، ومع تقدم الزمن وتغير الظروف، ذهبت مرارة الدين واحلوّت القروض بإغراءات «البنوك» التي تحل المشاكل الآنية العالقة، فيأتيك القرض على طبق من ذهب وإلى بيتك بصيغ مختلفة تعمي الأبصار والبصائر وتذهب بالعقول، من «بطاقات ائتمانية» وغيرها، فأصبح الدين أمراً عادياً، لدى الكثيرين، وتغوص الأرجل في القرض تلو القرض، مستسهلين الدين الذي يجر الدين يوماً بعد يوم وهيهات هيهات من يستطيع وقف نزف الجيوب، وأخو شمّة من يستطيع السداد! قال أحدهم: لقد كان القريضُ ســـمير قلبــــي فألهتني القـروضُ عن القــريضِ وقال غيلان بن مردة التميمي: وإني لأقضــي الدَّيْنَ بالدَّيْــنِ بعدمــا يرى طالبي بالدين أن لستُ قاضيا فأجابه ثعلبه بن عمير: إذا ما قضيتَ الدَّيْنَ بالدَّين لم يكن قضاءٌ ولكــــن ذاك غرمٌ على غُرمِ وقيل: الدَّيْن همٌّ بالليل وذلّ بالنهار. وقال الزهري: لا همَّ إلا هم الدَّيْن، ولا وجع إلا وجع العين، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن تزوَّج امرأةً بصداق ينوي أن لا يقضيه فهو سارق». ثم قال لعليّ: «جزاك الله خيراً وفكَّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك إنه ليس من ميتٍ يموت وعليه دين إلا وهو مرتهن بدينه. ومَن فكَّ رهان ميِّت فكَّ الله رهانه يوم القيامة». وعن أبي حيان: قال لقمان: نقلت الصخور وحملتُ الحديد، فلم أر شيئاً أثقل من الدين،وأكلت الطيبات، وعانقتُ الحسان، فلم أرَ شيئاً ألذُّ من العافية. وقيل: لَوْ أنَّ بالْحِيَلِ الغِنَـى لَوَجَدْتَنِــي بِنُجُومِ أَقْطـــــارِ السَّــماءِ تَعَلُّقِي لَكِنَّ مَـنْ رُزِقَ الحجى حُرِمَ الغنى ضـــدَّانِ مُفْتَرِقــــَانِ أَيّ تَفــَرُّقِ فَإذا سَـمِعْتَ بأنَّ مَحـــْرُوماً أَتَى مَاءً لِيَشْرَبَهُ فَغـــــَاضَ فَصـــدق أو أنَّ محظوظــاً غــــدا في كِفّهِ عُودٌ فأورَقَ في يديـــــه فحقِّـــقِ