أولاً من حق الشعوب أن تعيش آمنة مستقرة في أوطانها تتمتع بخيرات بلادها وتمارس حقوقها الدستورية تحت سماء مفتوحة على الكرامة وفضاء يشمل الجميع، لا فرق بين مواطن وآخر، لا بحسب الجنس ولا الدين ولا اللون ولا الانتماء الطائفي، هذه خلاصة موجزة لمنظومة الحقوق الثابتة الواردة في ديباجة كل دساتير العالم، مع ذلك فهناك مواطنون يتمتعون بكل ما سبق وأكثر، وهناك شعوب لا زالت تعتبر الوظيفة أقصى أمنيات شبابها ولقمة الخبز منتهى أحلامه، وفي هذه الحالة فإن شرخا كبيرا يعاني منه هؤلاء ينعكس حتما على علاقتهم بوطنهم وانتمائهم له، فمن لا يطعمه وطنه خبزا لا يمكنه أن يطعم الوطن انتماء، أو يمنحه عشقا من أي نوع. فلماذا لا يحق لكثير من الشعوب أن تتمتع بالحرية والكرامة والتحضر والتقدم ؟ من قال إن الهزيمة هي استحقاق عربي تراثي وبأن التخلف قدرنا المقدور؟ اذا ما طرح هذا السؤال سيبادر الجميع للاجابة بأنه لا أحد قد طرح هذا البرنامج يوما، لكن الحقيقة أن هذا البرنامج هو الوحيد المطروح على معظم الساحة العربية وكأنه لا مخرج ولا حل ولا ضرورة للتغيير، فالتخلف عليك هو المكتوب .. ياولدي !! إن التخلف ليس حتمية والهزيمة ليست قدرا، والمواطن العربي من حقه أن يستنشق الحرية وأن يعيش في مجتمعات تديرها المؤسسات ويحميها القانون، ويتم تداول السلطة فيها سلميا وبسلاسة دون تطاحن أو تكالب ما يوفر الدماء لتسيير عجلة النماء والتطور، وأياً كان شكل الحكم وطريقة تداول السلطة فلا بأس طالما أقرها العقد الاجتماعي الذي يبرمه الشعب مع حكومته، المهم أن تتم عملية إدارة الناس والثروة والتنمية والبناء والتقدم بشكل يرضي الجميع أوعلى أقل تقدير لا يغضب الجميع. إن الانضمام للأمم المتقدمة والمطالبة بالحقوق التي تتمتع بها ليس خطأ ولا عيبا ولا منقصة، فالعيب أن تكون مواطناً اليوم وقدمك لازالت في كهوف الأمس، تحكمك مؤسسة الشخص وتديرك عقلية الشخص ومزاجه، فحين خضعت أوروبا لمنطق الشخص دخلت في أتون الحروب والفاشية، وحين تخلت عن أحلامها في الأمان والاستقرار وسارت خلف جنون الأمجاد الشخصية للقائد المتورم بأوهام العظمة دخلت معه في مفرمة حروب التهمت مدنا وحضارات وبشراً بالملايين. لا فائدة من المضي في مشروع التخلف حفظا لمصالح فئة تريد ان تعيش ولغيرها الخراب والدمار، بهذا البرنامج لن يستقر وطن ولن يتحضر مجتمع، ولن يحق لنا كعرب وكمسلمين وكمسيحيين في هذا الوطن الذي يضمنا منذ قرون أن نتساءل يوما عن حقنا في الحياة الكريمة وعن حقنا في تعليم متحضر وعن حلمنا في أن تنال جامعاتنا مركزا متقدما ضمن قوائم الجامعات الأفضل، وأن نؤلف كتبا بنفس منسوب الحرية التي تتمتع بها المجتمعات المتحضرة، وأن نطبع كتبا بنفس الأعداد التي نستورد بها الهواتف المتحركة، وأن يسير المواطن العربي في الشارع لا يخاف رجل الأمن بل يحترم القانون وينفذه ولا يخاف تسلط رجل الشرطة طالما لم يرتكب مخالفة صريحة. المتحضرون لا يخافون، لأن الخائفين لا يبنون حضارة ولا يقيمون مجتمعات سوية، وامبراطوريات الخوف في كل التاريخ لم تنتج سوى أشخاص مشوهين مملوئين بالخراب والانحراف.. “الذي يخاف يكذب ومن يكذب ينحرف حتما”... جملة سمعتها يوما وازددت بها قناعة مع مرور الأيام . عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com