1 أغاني الغَجَرْ مجموعة ما أثبته الرواة والدارسون من أغانٍ وأناشيد متفرقة متداولة بين الغَجر الرُحل، وهي ذات أصل شفاهي تم تدوينها بالاسبانية أولاً، أي بلغتها الأم، ثم تمّ نقلها عن طريق الترجمة إلى اللغات العالمية، ومن بينها العربية. وأول من فعل ذلك على الأرجح، نامق كامل، قام بترجمتها إلى العربية، ليس من الاسبانية مباشرة، بل من لغة وسيطة هي الألمانية. 2 أغاني الغَجَرْ لاتسمح بتعريف محدد لها، نظراً لإتساعها وتنوّعها، كما لا تسمح بضبط مصدر زماني ومصدر مكاني لها، نظراً لإتساع أزمنة انتشارها، والبلاد التي انتشرت فيها، فضلاً عن أنها تمّ إنشادها بأكثر من لغة: الإسبانية أولاً ومن ثمّ الصربية، وأصولها شديدة التشعّب: من الهند إلى أوروبا، ومن أوروبا إلى الشرقين الأقصى والأدنى، ومن بلاد فارس إلى بلاد ما بين النهرين، فهي أغانٍ شائعة شيوع الهواء. وهي أشبه ما تكون بحكايات وأساطير “ألف ليلة وليلة”.. لكأنّ شعوباً كثيرة ورواة متعددي المشارب والعصور، هي المؤلف الجماعي لها، انتقلت من مغنٍّ لآخر على أجنحة الصوت وأوتار الربابة. 3 في هذه الأغاني ارتجال، بساطة، مباشرة وتجوال، الحصان عنصر جوهري، وعادات الرحيل عادات الغَجَرْ. عيون متسائلة، مغنّون مجهولو الهوية، لصوصية، حظائر حيوانات، خيول وبهرجة وابتعاد عن الاستقرار في مكان. ثمة إذن تيه أسطوري تكمن فيه تراجيديا الغَجَري، يرافقه ميله إلى الخرافات، والأغاني متلوّنة بالحزن والخوف والجوع واللصوصية، لذلك تنطوي على ما يمكن تسميته بالرقّة الخشنة. الحبّ لحظوي وعملي، والخيانات مشرّعة الأبواب. غالباً ما تتردد في أغانيهم ذات النَّفَس القصير، سرقات الخيول والهروب المتكرر. لا هويّة لهم لتذكر، ولا مدينة للإقامة. ثم هم يحتفلون بالغناء والرقص والشراب وهم على جوع دائم “حملنا أواني عميقة لجوع الغَجَرْ الكبير”. كلماتهم خفيفة وأغانيهم رشيقة، ويتابعهم دائماً الدَّرَك، حيث يحتمي الفجري في ظل شجرة أو يذوب في الليل. “كلوا واشربوا وارحلوا” هذا هو شعارهم. إنهم أبناء الطبيعة الرُّحل، وغالباً ما يموت الغجري متروكاً وحده، فليس للغجري لا بيت ولا قبر. 4 تشكّل “الغَجَريَّة” طريقة في الحياة والتنقل والغناء والموت، كتب أنطونيو ماتشادو يقول: “الأغاني تجعل الحكاية غامضة، والأسى واضحاً”. ولعلّ أعظم من استقى من أغاني الغَجَرْ روح شعره، هو غارسيا لوركا حيث زاوج بين العابر الشعبي الإنشادي والزوال المأساوي لمدن الحضارة العربية في الأندلس. كما زاوج بين العنف والرقص والموت والموسيقى كما في حلبة مصارع الثيران.