في البداية، وقبل الخوض في موضوع تراجع معدلات الخصوبة أو الإنجاب بين المواطنين، أود رفع التهمة عن المرأة باعتبارها المسؤول الأول عن تراجع الخصوبة، فالعديد ممن ناقشني أمس حول الموضوع، كان لديهم خلط حول فهم معنى تراجع معدلات الخصوبة، التي يرجعون السبب فيها إلى ضعف جنسي بين النساء، وأن بنات حواء، هن السبب في تراجع أعدادنا، ولم يفهم الموضوع على أنه تراجع في معدلات الولادة، التي يُسأل عنها الرجل والمرأة معاً، وإن كان الرجل مسؤولاً مسؤولية أكبر من المرأة باعتباره رب الأسرة، ومن يفترض أن يساهم برفع الخصوبة أو زيادة الإنجاب.
القضية ليست سهلة، لأن نسردها ونناقشها في هذه المساحة الضيقة جداً، فتراجع الخصوبة أو “قلة الإنجاب” يرتبط بعوامل كثيرة ومتشعبة.
ومن ظواهر تراجع الخصوبة انعدام أو ذوبان الأسر الكبيرة بين المواطنين، فالأسرة التي كانت تتكون من خمسة عشر أو عشرين فرداً، اليوم لا يزيد عدد أفرادها على أصابع اليد الواحدة، وسيقول قائل: رغم الخير وسهولة العيش عما كانت عليه أيام زمان .. وحالة التطور والتمدن التي تشهدها الدولة .. والتحول الكبير في أسلوب العيش والحياة، إلا أن رب الأسرة لا يزال متخوفاً، وأول موضوع يطرحه على زوجته تقنين عدد أفراد الأسرة، وهو مؤشر خطير لا يتوافق مع خطط وأهداف الحكومة لعلاج التركيبة السكانية، والعمل على رفع أعداد المواطنين، حيث لن يتأتى ذلك إلا برفع نسبة الخصوبة وزيادة حالات الولادة، وكل ذلك لن يتحقق لنا ما دامت هناك معوقات رئيسية تحول دون بناء أسر كبيرة، منها الكلفة المادية العالية التي يتكبدها رب الأسرة في سبيل توفير الحياة الكريمة لأسرته، إضافة إلى المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقه في أيامنا هذه، نظير تأمين سلامة الأبناء والحفاظ عليهم.
أما الأم، فأظنها بحاجة لإغراءات أكثر لتشجيعها على الإنجاب والعمل على تسهيل مهامها في الحياة الاجتماعية خارج إطار المنزل، كالعمل، وتتمثل أولى مشكلاتها في إجازة الوضع التي تراها غير كافية، ناهيك عن أن إجازاتها المتكررة، سواء للوضع أو المراجعات التي تحتاجها الحامل، تحرمها من العديد من المميزات والمزايا التي قد تحصل عليها.
إن رفع الخصوبة بين المواطنين لن يتأتى بالأماني والآمال، ولا بدعاء الوالدين، بل يحتاج إلى جهود حثيثة وجدية، تبدأ بتعديل القوانين والتشريعات التي يجب أن تنصف الأم، وتضع الحلول المناسبة لتشجيع الأمهات العاملات على زيادة الخصوبة، لا بتهديدهن بالفصل وحرمانهن من الترقيات والعلاوات والإجازات الأخرى المستحقة، ومعاملتهن كأنهن عبء على الجهات التي يعملن فيها، والعمل على التخلص منها، فهناك بعض الجهات مثلاً ترفض توظيف المتزوجات!! ثم نتحدث عن رفع معدلات الخصوبة، فللمواطنة الحق الكامل في العمل ومشاركة شقيقها الرجل في عملية بناء ونهضة الوطن، وإثبات جدارتها ومكانتها، وليس هناك جهة تملك الحق كي تسلبه من المرأة، لأنها قررت إكمال نصف دينها.


m.eisa@alittihad.ae