الماضي هو أفضل مؤشر للمستقبل، هكذا يرى الباحث بيتر مارتن مدير برنامج الشيخوخة وأستاذ التنمية البشرية لدراسات الأسرة في ولاية إيوا الأميركية. ويؤكد باحثون أنهم حددوا الأسباب التي تجعل المعمرين سعداء، وما الذي يسبب الكآبة لمن هم في الثمانين من العمر فما فوق.
ويذكر موقع “ساينس ديل” أن الباحثين من برنامج علم الشيخوخة في جامعة إيوا ستايت توصلوا في الدراسة التي ضمت 158 معمراً من ولاية جورجيا الأميركية إلى أن رضى المسن عن ماضيه والإنجازات والنجاحات التي حققها خلال ذلك الزمن الغابر تعتبر المفتاح الرئيسي لسعادته عند الشيخوخة.
هذه الدراسة تعيد العقل الإنساني إلى الوراء، وإلى حيث اكتشافات علم النفس التحليلي عن دور اللاشعور في صياغة سلوك الإنسان المستقبلي، وإلى أهمية هذا المخزون الأخلاقي والسلوكي في تشكيل شخصية الإنسان وإبراز الجوانب المعتمة، والمضيئة منها، حسب ما تكون وما ترسخ وما ترسب في هذا الطبـق السحـري العجيب.
مشاعرنا الراهنة، مرتبطة بحبل سري متين بما توفر، وما تم ادِّخاره، من منجزات سواء أكانت فاشلة أو ناجحة، فهي التي تضع السعادة البشرية في طبق والتعاسة في طبق آخر، وأي منهما، يفوز على الآخر ويفرض سطوته وسيطرته، حسب مساحته في الذهن.
فالماضي الذي قد يعتبره البعض زمناً تولى وأدبر ولا داعي للالتفات إليه، إنما هو الأساس الأول لبناء هذا الجدار النفسي، وهو الركيزة الأولى التي تُبنى على أساسها قدرة الإنسان، على استقبال الحياة بوجه مشرق ونفس منشرحة، أو التعاطي مع المستقبل، بوجه مكفهر وجبين عابس ونفس غير مطمئنة غاضبة.
ماضينا هو عنوان الكتاب الذي سنقرأ في المستقبل، وهو الصفحة الأولى لخاتمة الرواية، إن كانت مأساوية أو مفرحة، الأمر يعود في النهاية إلى هذا الزمن، وكيف تم استغلاله والاستفادة من ظروفه ومعطياته، وكيف استطاع الإنسان في بواكير عمره أن يرتب مشاعره، وينظم سعفاتها سعفة سعفة، حتى تصبح في المستقبل، مساحة يانعة بالاخضرار، يانعة بالنشاط النفسي الذي لا يتجاور مع اليأس والذبول.
ماضينا، إن كان كابوساً، فانتهى بفزع، وإن كان حلماً وردياً، قطفنا ثمار البهجة في السنوات المتأخرة من العمر.


marafea@emi.ae