في سفرة إلى إندونيسيا تعرضت لسرقة من نشال صغير، كان يسكن في باحة معبد”أولو واتو” أو الصخرة الأمامية على شواطئ المحيط الهندي، كما يستدل من موقعه ومعناه، ورغم التحذيرات الأولية من مثل هؤلاء النشالين الذين يتكاثرون في المكان، واحتياطاتي الشخصية على مدى سنوات طويلة من الأسفار، خرج منها النشالون يعدون مكاسبهم مني بالأصفار، لمناعات جيوبي شبه الخالية، وحذري الدائم مع تحريك العينين بشكل بانورامي، وتلفت باستمرار حتى يشعر النشالون أن شخصاً جديداً دخل كار عملهم فجأة، ولجيب سري فيه ضروريات البقاء حياً وشريفاً ومحترماً، إلا أن هذا النشال الصغير قدر أن يخطف أغلى شيء عندي، وهو يساوي نظر عيني، ولولا المهارة الحقيقية التي لا يقدر عليها البشر، وسرعته الخاطفة، وانقضاضه المفاجئ، وغفلة مني أثناء التصوير من مكان مرتفع، لما تمكن مني وسرقتي، الأمر الآخر الذي يقع عليه اللوم هو مرافقي السياحي الإندونيسي، فأول مرة استقبلني في المطار أوحى لي أنه “نطع” وأنه يعيد الكلام مرات ومرات، وكأنه موجهه لصبي صغير بسبب رعبه الوظيفي لكي لا يغلط ويحاسب، لكنني لم أعتقد أنه “فاج نطع” إلا حين تعرضت للسرقة أمام عينيه، رغم أنني نبهته قبل أن اندمج في التصوير أن يراقبني من بعيد لكي لا أتعرض للسرقة، وكان يجب علي أن أعيدها عليه أكثر من مرة ليفهم كعادته، المهم بعد السرقة أطلق الصرخة، لكن النشال الصغير لاذ بصخرة حادة وعالية وتحتها مهوى عميق يصل للبحر، فلم نقدر أن نصل إليه، ورغم محاولاتنا أن نستميله ليرجع لنا ما اختطف إلا أنه ظل ينتقل من مكان إلى مكان بخفة عالية لم نستطع أن نجاريه، كيف كانت السرقة انقضاض سريع كالبرق من شجرة عالية، بعد أن حدد الهدف وحدد الطريقة، واستغل نقطة الانشغال بالتصوير والتركيز على اللقطة، وبحرفية متناهية وصلت يده إلى نظارتي الطبية رغم أنها لاصقة على وجهي ولاصقة على منظار الكاميرا إلا أنه انتزعها ليعميني، ولا يعرف مقدار الضرر لفقد نظارة طبية إلا لمن ابتلى بثلاث درجات ناقص وأكثر، لقد لاذ قرد المعبد أو النشال الصغير بنظارتي، وجلس يتفحصها ويضعها على وجهه ثم ظل يمطها ثم قرض أطرافها وأخيراً حطمها ثم رماها لنا، شعرت حينها كالمصلي نهار الجمعة سرقت نعاله من المسجد، ليس المهم سرقة النعال، المهم أنك ستمشي حافياً أمام الناس، وهكذا النظارة ستظل كالأعشى بالكاد تبصر طريقك، ولا تريد أحداً أن يشمت بك، لأنك ساعتها لن تفرق كثيراً بين شبح فيلة يتبعها أطفالها وبين شاحنة مارة صدفة على طريق الغابة!



amood8@yahoo.com