الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حفاظاً على الثورة

9 ديسمبر 2011 23:22
كنت أنوي تخصيص مقال هذا الأسبوع لمتابعة بعض المؤشرات السياسية حول العلاقات الدبلوماسية بين كندا والعالم العربي، خاصة المؤشرات والتطورات الصغيرة والمبادرات "الطيبة" التي قام بها وزير الخارجية الكندي السيد بايرد، والتي كشف النقاب عنها ما نشر وما جاء في مذكرة داخلية وجهها الوزير إلى معاونيه في الوزارة، والتي تمثل توجيهاً سياسياً يريد الوزير من موظفي الخدمة المدنية في وزارته تحويله إلى برنامج عمل. وقد كان رأيي ولا يزال أن ثمة محاولات من جانب حكومة المحافظين الحالية للخروج من الموقف الذي أعلن فيه رئيسها هاربر انحيازه التام إلى جانب إسرائيل. وليس معنى ذلك أن الموقف العقائدي لهاربر نحو إسرائيل يستبدل الآن لمصلحة العرب، لكن النظرة الواقعية التي يقدمها الدبلوماسيون المتخصصون للحكومة ونصائحهم بإعادة النظر في العلاقات العربية الكندية بعد الربيع العربي، قد شجعت وزير الخارجية المعروف بنشاطه وقدرته على المساومة، أن يوجه بما جاء في مذكرته الداخلية. كان في تقديري، أن أخصص مقال الأسبوع الحالي لهذا الموضوع المهم، والذي لا يجد الاهتمام المطلوب من أجهزة الإعلام الكندية والعربية. لكن تطورات الأمور في مصر وتونس طغت وفرضت أن تكون لها الأولوية اليوم. ففي مصر انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات في باقي الدوائر الانتخابية التي لم تحسم فيها المنافسة خلال الشوط الأول، وذلك وسط جدل إعلامي مكثف حول ما قيل من أن الإسلاميين قد يحصلون على نسبة 65 في المئة من مقاعد البرلمان القادم، وأن السلفيين صعدوا بدرجة مذهلة وحققوا نسبة كانت مفاجأة لبقية الأحزاب والتيارات الإسلامية قبل الليبراليين والديمقراطيين وشباب ثورة يناير، مما زاد من مخاوف وقلق الجميع من هزيمة ثورة الشباب وإسقاط أهدافها ومطالبها التي من أجلها خرجوا وضحوا وحولوا ميدان التحرير إلى قاعدة لقيادة الثورة الديمقراطية التي أطاحت بنظام مبارك. والخوف والقلق من هذا الصعود المذهل للإسلام السلفي المتشدد في مصر وتونس، ليس قاصراً على بقية المصريين والتونسيين بل نلحظه ونشاهده عند قادة الغرب السياسيين الذين "استبشروا" بالربيع العربي وتحمسوا له، وتصوروا أن العالم العربي قد بدأ مرحلة جديدة ستقوده إلى الديمقراطية والليبرالية التي يتصورون أنها المخرج للحاق العرب بـ"عصرهم" في هذا القرن. وأنا أكتب هذا المقال، وأخبار الأزمة العنيفة في تونس والتي قادت إلى اعتصام شباب الثورة أمام مقر المجلس التأسيسي (البرلمان المؤقت) ومداهمة جماعات مسلحة المعتصمين واستعمال العنف ومقاتلة المعتصمين، مما اضطر الحكومة المؤقتة إلى إنزال الأمن وضربهم بالقنابل المسيلة للدموع. ورغم أن حزب النهضة الإسلامي الفائز بالأكثرية قد أعلن وبشكل قوي، تبرؤه من هؤلاء الإرهابيين ورفضه للعنف وسيلة للاختلاف ودعوته للحوار الديمقراطي ومشاركة أحزاب أخرى لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تقود البلد في هذه المرحلة الحرجة... فإن خصومهم السياسيين يتهمون الحزب بأنه يتحدث بلغتين ولسانين مما يجعلهم غير مطمئنين ولا واثقين من سياسته المعلنة. والحال أن التطورات الجارية في كل من مصر وتونس تؤكد ما سبق وأن قيل من أن الطريق للوصول إلى الديمقراطية الحقة بالوسائل السلمية العصرية في العالم العربي سيكون طريقاً شاقاً وطويلاً، مما سيزيد من عبء ومسؤولية النخب العربية السياسية، يميناً ويساراً ووسطاً، للعمل السلمي والاجتهاد بالتطوير، بل تعليم، وعي جماهير الشعب الذي حرم لعقود من ممارسة العمل السياسي الديمقراطي. وكما جاء في سياق التحذير الذي أطلقه الدكتور محمد البرادعي، فإنه إذا لم يجد القادة السياسيون طريقاً سلمياً لتحقيق أهداف ومطالب شباب ثورة الربيع العربي، فإن الإحباط والشعور بسرقة الثورة وأهدافها، سيقود البلد إلى حالة من التوتر وعدم الاستقرار. وصحيح أيضاً أن تفجير الثورة أسهل من الحفاظ عليها وتحقيق أهدافها، وستظل تلك مسؤولية النخب العربية أمام التاريخ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©