يعمل المسرح منذ القدم على نقد الواقع، وذلك إما بتقديمه في صورته كما هو مع كل متناقضاته أو بعرضه بقالب وشكل مختلفين، مستعيناً بالحكايات التاريخية أحياناً وبالأساطير أحايين أخرى، مستمداً شيئاً من تراث المسرح ومن عبقرية المبدع، مخرجاً وكاتباً وممثلاً.
ونظراً لأن المسرح الجاد والحقيقي يعمل من خلال رؤية متقدمة وواسعة للحدث الواقعي الذي يعالجه على الخشبة بتقديمه مغلفاً بالفرجة وما تحدثه من متعة للبصر وكذلك ما تحمله من دلالات، فإنه لا يحتمل أن تصاحبه قراءات من قبل العامة لتقرر ماذا يقصد العمل وما لا يقصده، أو يتدخل المراقبون التقليديون كي يقرروا استمرار عرض العمل أو وقفه.
فالمسرح وجميع الفنون الأدائية والكتابية هي للمشاهد والقارئ، وله الحق في أن يقبلها أويرفضها؛ ولكن ليس له الحق مطلقاً أن يلغيها وينفيها ويسحقها أو يحرفها ويجرمها ويكيل عليها كل الظلام الذي في رأسه. وكذلك هي الجهات الرسمية ليس لها الحق في التدخل لحجب كتاب أو مسرحية أو فيلم طالما هو يقدم قضية جادة تحدث حقيقةً في الواقع، سواء كان هذا الواقع متعلقاً بالمبدع نفسه، أي ما يدور في رأسه من أفكار وأسئلة تجاه الحياة والوجود، أو ما يتعلق بحياة وتفاصيل المجتمع.
إن اعتماد رأي أشخاص غير مؤهلين ثقافياً وفنياً كي يفتوا في أعمال فنية، خاصة الأعمال المسرحية ويقررون أن هذا العمل يقصد حدثاً تطابق مع ما يجري في منطقة معينة، ويتم بناء على ملاحظة غير مدركة وغير عميقة وسطحية، مقاطعة هذا العمل أو منعه، يعد أمراً كارثياً بامتياز، ليس على الصعيد الفني فقط بل على صعيد مستوى التفكير لدى أصحاب قرار المنع والمقاطعة، وما هو أكثر كارثية أن يقاطع العمل من قبل مطبوعة يفترض منها تقديم رؤية نقدية للحدث تعتمد الحيادية والموضوعية.
ويقرر بذلك تجميد عمل وإلغاؤه وحجبه ليضيع جهد إبداعي هو في الأساس جهد جميل يستحق المشاهدة والتقدير والمتابعة والانتشار، عمل تم الاشتغال عليه بمستوى إبداعي عالٍ جداً من المفترض الوقوف والتصفيق له كثيراً.
لذلك، قراءة الفن يجب أن تكون من قبل النقاد المتخصصين الموضوعين القادرين على الإضافة وإبراز العمل كي يشع، وتُرى روحه؛ أن يتمكن المشاهد من الذهاب عميقاً في التفاصيل والدلالات التي توجد في عمق العمل الفني.

***
في أيام الشارقة المسرحية تم بشكل غير منطقي تأويل أحداث مسرحية “تراب” على إنها تسيء لمنطقة جغرافية في المكان، من دون النظرة العميقة إلى ما تقدمه هذه المسرحية من عمل إبداعي متكامل على خشبة المسرح. فالعمل الذي ألفه وأخرجه محمد العامري وقام ببطولته الممثل القدير أحمد الجسمي، حسب قراءاتي ومتابعتي للعمل يتضح بأنه عمل بفكرة مفتوحة تناقش الصراع بين الأصالة والحداثة وتأثير النمو الاقتصادي على الماضي وذكرياته. ما يعني أنه صراع يمكن أن يحصل في كل بقعة من العالم طالما هناك إنسان يعيش على الأرض. هذا العمل الذي نظر إليه بشكل سطحي من قبل غير المتخصصين، حاز معظم جوائز الدورة الأخيرة من مهرجان أيام الشارقة المسرحية وحظي بتكريم من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
نتمنى عند حضور فعل إبداعي ثقافي الاستمتاع بالعمل، أو مغادرة الكرسي وترك الحدث الفني يسرد تفاصيله لعيونٍ أخرى تقدر الإبداع والجمال.

saadjumah@hotmail.com