في النص الأدبي كثيراً ما يكون المكان هو المادة الأهم، والمنبع الذي يرفد الفكرة، ويغذي الخيال الإبداعي، بل إن أعمالاً كثيرة كان جمالها وقوتها يأتيان من استشراف الأمكنة وتأثيراتها على العمل الأدبي.
بل إن المكان دائماً ما يكون هو المحور الرئيسي والركيزة الداعمة للنص المبدع والمقتحم لخيالات الأديب والشاعر والمنشد الشادي لأمكنة الفضاءات التي تأتي منها الأفكار والرؤى للعالم المتخيل، والذي يستند إلى ذاكرة المكان.
والمتتبع للأعمال الإبداعية الأدبية يجد أن المكان هو مادة خصبة لإنتاج أجمل القصائد وأروع الأساطير والنصوص الأدبية والتاريخية التي استمرت تطرق ذاكرة شعوب وأقوام على مدى طويل من الحياة البشرية.
للأمكنة تأثيرها على المشتغلين بالأدب، بل إن هذا المؤثر المهم لا يمكن أن يغيب عن أكثر الأعمال روعة، حتى أدب الخيال العلمي كثيراً ما يستند إلى الأمكنة التي تألف معها البشر، سواء بالاحتكاك المباشر أو التأثير الدائم في مجرى الحياة.
فقد تأتي الصحاري أو الغابات أو الأنهر العظيمة أو المحيطات أو القمر والشمس أو الكواكب والنجوم، وربما أثرت العواصف والرعود والمطر والفيضانات والبراكين والزلازل.
هذه المؤثرات التي يحفظها الإنسان من خلال تأثيرها في الحياة وكأنها الأمكنة التي تفاعل معها، تأتي في النصوص الأدبية وتؤثر في صياغة التخيل وسير العمل وتشابكه في النص.
إذاً، المكان جزء مهم في العمل الإبداعي ومادة خصبة في خروج الكثير من النصوص الأدبية المهمة والرائعة؛ ولا أتخيل أن يكون هناك عمل إبداعي رائع إذا لم يكن للمكان تأثيرا وظهورا مؤثرين، بل إن أجمل الأعمال الأدبية التي قرأتها هي التي يحتل المكان فيها مساحة كبيرة.
وكثيراً ما يتفوق المكان على الأحداث، وقد يصبح هو البطل الحقيقي عند الكثير من الأدباء أو الأعمال الأدبية.
فقد يحتل البحر أو الصحراء أو الغابات أو المراعي أو الجبال والأنهار مساحة مهمة من العمل الأدبي.
المكان دائما يأخذك إلى فضاء رحب وبديع، عندما يستخدمه الأديب بصورة جمالية مؤثرة. هذا المكان قد يسلبك من الأحداث ويتفوق في النص. مثل المقاطع الرائعة للشاعر رسول حمزتوف في نصه “داغستان بلدي”، وكذلك في الكثير من الأعمال الأدبية العالمية التي يظهر فيها تفوق المكان على الأحداث.
المكان بالتأكيد مادة مهمة للإبداع، وهو جزء أكثر أهمية في رفد الأعمال الثقافية.
هذه الأمكنة هي ذاكرة الأديب ومادته التي يستمد منها جل أعماله الإبداعية.
والذاكرة هي أيضا المولد الذي يمده بالتخيل والتصور للأحداث والمواقف التي تصاحب الحياة في المكان.

ibrahim_mubarak@hotmail.com