يوم أمس عايشت صورة من حياة الآباء والأجداد، غُصتُ من خلالها في أعماق تراثنا العربي الأصيل، هناك في الجنوب الشرقي، حيث توجهت مع أحد الزملاء قاصدين الوثبة لنشهد عرساً تراثياً وكرنفالاً تفوح منه رائحة الأصالة في تجمهر وتجمع خليجي يثلج الصدر، ويقلب صفحات مضيئة من ماضينا الجميل.
نعم من الوثبة تلك البقعة العزيزة والغالية على نفوسنا في قلب صحراء الإمارات انطلق منها مهرجان جائزة زايد الكبرى للهجن منذ ثمانية عشر عاماً، واعتباراً من ذلك التاريخ يتواصل العرس التراثي الكبير عاماً بعد آخر، ويزداد إشراقاً ونضوجاً دورة بعد أخرى، وذلك بفضل الدعم الكبير الذي أولاه المغفور له بإذن الله تعالى والدنا «زايد» الذي كان حريصاً على إحياء التراث من مختلف قطاعاته وحقوله البحرية والبرية، لتكون «شارة زايد الكبرى» عيداً ينتظره ملاك وعشاق ومحبو الهجن، ليس في الإمارات فحسب، بل في الخليج العربي أجمع، وعلى نهجه، وبخطاه الضاربة في أعماق التراث والحريصة على إبقائه وإحيائه ونقله للأجيال، سار خليفة على درب والده لتبقى «شارة زايد» والعرس والمهرجان التراثي الأصيل منارةً تضيء سماء تراثنا الأصيل ومقصداً لمحبيه.
إن حرص رئيس الدولة على إحياء التراث والحفاظ عليه والعمل على نقله بكل أمانة ودقة للأجيال القادمة، أجيال المستقبل، يبدو في الاهتمام الكبير الذي نشهده اليوم، والدعم اللامحدود الذي تحظى به الأنشطة والفعاليات والبرامج التراثية، وهو ما كان حاضراً يوم أمس على ميدان الوثبة، جموعٌ غفيرة وحشود اكتظت بها تلك الرقعة وجمال تزيّنت به الوثبة وهي تحتضن وتستضيف وتفتح ذراعيها وقلبها لكل حريص ومحافظ على عادات آبائه وأجداده، ولكل عاشق ولكل من تسري رياضة الآباء والأجداد في عروقه، جميعاً كانوا حاضرين هناك، رأيتهم يحتفلون بعرسهم الكبير، راسمين لوحة تراثية غاية في الروعة والجمال في عمق الصحراء.
كمٌ من الإبل العربية الأصيلة «السبوق» هي محور اهتمام كل هذا الحشد الكبير لإضاءة شمعة من تراثنا العريق، والناموس مقصدهم الأول بعد جهد وعرق ومنافسة شرسة، لكنها جميلة يفوح منها عبق الماضي، تدور رحاها على ذلك المضمار «المركاض» ذي اللون الذهبي، وكأن سجادة من ذهب بُسطت في قلب الصحراء لتكون مسرحاً لتنافس «السبوق» وإظهار ما في جعبتها من قوة ورباطة جأش وسرعة، يسخّرها ويتحكم بها ويوجهها المضمر وهو يتابع «الحلال» على ذلك البساط الذهبي وعينه على «الناموس».
أشواط كثيرة وسباقات عديدة وجوائز وفيرة ومتابعة دقيقة تبدأ من الصباح الباكر وتنتهي قبل غروب الشمس بسويعات لينال بعدها كل من وطأت قدماه الوثبة «الناموس». نعم «الناموس» للجميع والفرحة للجميع والتراث للجميع والمكسب للجميع، هذا ما تشعر به وأنت في الوثبة تتابع أجمل وأروع الأنشطة والفعاليات التراثية.
فناموس الفخر والتحية للقائمين والداعمين والمحافظين على «شارة زايد».


m.eisa@alittihad.ae