يقول علماء النفس إن التثاؤب دليل الملل والكسل والإحساس بعدم قيمة الجلوس والبحلقة في شاشة التلفاز أو سماع حديث الأصدقاء، لذلك فكان هؤلاء أي علماء النفس يفسرون تثاؤب الشخص في حضرة الضيوف بأنه يعني الرغبة في مفارقتهم والذهاب إلى غرفة النوم مكتفياً بيوم حافل من النشاط والضجيج، ولكن في دراسة حديثة لعلماء أميركيين أكدوا فيها أن التثاؤب دليل عافية، فهو يعني أن الدماغ البشري يستفيد من التثاؤب باستنشاق مادة مبردة تخفف من درجة حرارته اليومية، إثر انشغال دائم بأفكار وأخيلة وانفعالات ومشاعر مضطربة، هذه النظرية قد لا تدحض الفكرة السابقة لدى علماء النفس بل تدعمها وتضيف إليها تفسيراً علمياً مهماً يربط العلاقة ما بين النفس والمخ أي العلاقة الوشائجية ما بين السيكولوجي والفسيولوجي، فعندما يحس العقل أو الدماغ بالتعب فإنه يستدعي العون من النفس التي بدورها تقوم بإرسال الإشارة الفورية وإعلان التثاؤب لتخفيف الوطء عن الدماغ وإراحته من التعب، وقد تكون هذه الإشارة مزدوجة، فحين يتثاءب الإنسان فهذا يعني أن اللاشعور يقوم بدور القوى الدفاعية المبطنة التي تحمي الإنسان من التعب الجسدي ومن الضجر النفسي.
فأحياناً يصير بعض الضيوف أثقل من الجبال، فلا تروق لهم الزيارة إلا في ساعات ذروة التعب ولا يستأنسون بالحديث إلا لساعات طويلة، ما يجعل المضيف يقبل على مضض مثل هذه الزيارات، ولكنه لا يستطيع أن يلجم ما يدور في أعماق النفس وما يجيش في اللاشعور، الأمر الذي يضطره للتثاؤب لإعلان حالة الطوارئ القصوى، فلعل وعسى يفهم الآخرون الإشارة وينفضون طائعين دون إشارة أكثر بلاغة ووضوحا.
فالشخص الضجر المتبرم من ثقل ظل ضيوفه تجده يفرك عينيه ثم يفتح فمه إلى آخره طارداً منه آهاته الداخلية على شكل تثاؤب، ثم يفرقع أصابعه ويمضغ ريقه ويتلفت يمنة ويسرة وكأنه يبحث عن عصا ليرونح بها هؤلاء الجلاس الأشقياء، وأحياناً ينهض متذرعاً بأي سبب ثم يعود مبحلقاً في وجوه جلاسه، حاكاً صدغه، فاركاً يديه، ومحاولات أخرى يائسة كلها تعبر عن رغبة مُلحة في فض مجلس أصبح بلا جدوى وضيوف صاروا أشبه بالمحتل البغيض.
وفي كل يوم يكتشف العلم تفاصيل دقيقة عن حياتنا وسلوكياتها، وما يعتمل في دواخلنا، وقد تخطى بعض الدراسات والبحوث ولكن كثيرها يفوز بالصواب، وما الحياة إلا تجارب وخبرات ونتائج تضع الإنسان عند محك العلاقة ما بينه وخطواته اللاحقة.


marafea@emi.ae