لا تنشر الصحافة العربية التي تغطي أدق تفاصيل الخارج، أي شيء عن الواقع الحقيقي المحلي، المتعلقة بالأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية، ما جعل ذهنية المواطن العربي تعتاد على التقاط ما يخصها من أخبار وأسرار من إذاعات الآخرين وصحفهم وقنواتهم العامة والخاصة.
وقد ظل العرب سنوات طويلة يلتقطون إذاعة إسرائيل العربية ليعرفوا حقيقة ما يدور في دهاليزهم السياسية! ثم تحولوا إلى الإذاعة البريطانية لتكون الصورة أكثر وضوحاً لديهم، وفي الحقيقة فإنهم بقدر ما كانوا ينتشون طرباً بصوت أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب، عندما كان يزف إليهم أخبار إسقاط الجيش المصري للمزيد من طائرات العدو إلا أنهم على جانب الإذاعة البريطانية كانوا يتطهرون بشكل أو بآخر من إثم الكذب على الذات.
اليوم في أكثر من دولة عربية، هُناك أكثر من عقدة سياسية تعصف بواقع تلك الأنظمة، هُناك أنظمة على محك البقاء أو الزوال، وهُناك أنظمة تعاني اشكالات مع شعوبها، وأخرى تتخبط في اتجاهات متطرفة من الفساد وسيطرة النخب المقربة من السلطة... إلخ، ومع ذلك فالصورة في صحفها الرسمية أكثر بياضاً وجمالاً من ورق الورد، إن شعوب هذه الدول إذا لم تكن لديها صحف لأحزاب معارضة، فإنها تذهب إلى الـ (BBC) تماماً كما كان يفعل سابقوهم في سنوات الستينيات والخمسينيات.
نحن اليوم، نستقبل عبر رسائل البريد الإلكتروني مقالات وتحليلات وأخبارا وأسرارا عمّا يحدث في داخل عالمنا العربي، يتبرع بها أشخاص ربما تكون الحقيقة هدفهم وربما لديهم أهداف أخرى، لكن ليست هذه هي كل الصورة، فبعض هذا الذي يصلنا لا أساس له من الصحة، وبعضه خطير، وبعضه يحتاج إلى إعادة غربلة وتمحيص، خاصة تلك الأخبار التي تصل مقتطعة ومترجمة من الصحافة الغربية، فحتى الـ (BBC) لم تكن وسيلة إعلام محايدة بالمطلق في الخمسينيات والستينيات خاصة أنها تنتمي لإعلام دولة شاركت في الاعتداء الثلاثي ضد مصر عام 1956 مع إسرائيل وفرنسا، ولا شك بأن هُناك معايير مهنية وموضوعية في الإعلام الغربي لكنه يبقى إعلاماً وتبقى الحرية الإعلامية وهماً وتضليلاً حقيقياً في كل العصور، فلا وجود لإعلام غير موجه في أي مكان بما فيه الغرب والولايات المتحدة، يبقى الفرق في درجة وشكل هذا التوجيه، وفيما إذا كان من جانب الحكومة أم من جانب الشركات الاحتكارية الكبرى أم من جانبيهما معاً.
في هذه الحالة فلا مجال أمام أنظمتنا الإعلامية سوى أن تستوعب هذا المتغير المعرفي الجديد وهو ثورة الاتصال والإنترنت، وأن تتعامل مع تحدياته بشكل أكثر عقلانية، وأن تعرف أن التضييق على الخبر لا يعني قتله أو اخفاءه إلى الأبد، وأن ما تحاول كثير من الأنظمة طمسه بكل الطرق يصل بسلاسة وبتدفق يومي إلى بريد كل المواطنين في هذه الدول وببساطة لمسة زر.
ما يحدث في الداخل مهما كانت خطورته هو في النهاية شأن يعني كل مواطن، وآثاره ستنعكس سلباً أو ايجاباً على الجميع ومن حق الجميع أن يعرف، إن حق المعرفة والحصول على المعلومات من مصادرها هو حق عالمي تصونه كل مواثيق الشرف العالمية وكل قوانين حقوق الإنسان ونتائج تطبيقه لن تكون بالكارثية التي يتخيلها البعض.

ayya-222@hotmail.com