الزائر لماليزيا قد تدهشه الأرض والخضر المحيط بها وبتلالها، قد تدهشه الحداثة في مبانيها وأسواقها، وقد تدهشه النهضة الشاملة التي تقودها دولة طابعها الإسلام والتعدديات الأخرى، حيث نسبة المسلمين تصل إلى57 في المائة، معظمهم من الملاويين، في حين تتوزع النسبة الباقية بين أقلية صينية 27 في المائة بوذيين، ولغتهم المندرين في الغالب، وأقلية هندية 7 في المائة هندوس، ولغتهم التاميل، والبقية أقلية مسيحية وسيخية وسكان أصليون قدموا من أندونيسيا وجزيرة سومطرا يعرفون مثل سكان استراليا الأصليين بـ”الأبورجينز” تجمعهم لغة مشتركة ومبتكرة من لغات الأعراق التي تتكون منها ماليزيا بالإضافة للعربية، تسمى بهاسا، قد يدهشه النظام السياسي، وأنموذج الديمقراطية الآسيوية الجديدة، حيث الملك ينتخب من مجلس السلاطين للولايات التسع، ويكون حكمه لمدة 5 سنوات وبالتناوب بين سلاطين الولايات الفيدرالية التسع، أما بقية الولايات الأربع الأخرى، فيتم تعيين حكامها من قبل جلالة الملك، قد تعجبه المدينة بكل تفاصيلها بدءاً من الحي الصيني والحي العربي، وقرى الصيادين ومالاكا، قد تعجبه العمارة الجميلة والمتفردة للمساجد العظيمة فيها، لكنه بالتأكيد هناك مكان جميل ودافئ، وله خصوصية وهو متحف ماليزيا للفن الإسلامي الذي افتتح عام 1998 على مساحة تقدر بـ30 ألف متر مربع، يضم أشياء تخص العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، تشعر حين تدخله بتلك السماحة التي تميزت بها رسالة الرسول الكريم، وعمق مبادئها، ونفاذها إلى الروح الإنسانية لأنها تعنى بالخير والحق والجمال، وترفع من قيمة العلم والعقل والإنسان.
في هذا المتحف لابد أن تتوقف عند مجسمات المساجد في العالم، وأنماط العمارة الإسلامية فيها، قديمها وحديثها، ولأشد ما أحزنني أنني لم أشاهد مسجد الشيخ زايد المتميز بنمطه المعماري، المتفرد بتجليات الفن الإسلامي بطابعه الحداثي في تلك المساحة، مهيباً بالإخوان القائمين على المسجد أن يتنبهوا لمثل هذه الأمور، وتكون جزءاً من مهامهم الإشهارية لهذا الصرح في المستقبل، فنحن كثيراً ما نخسر أنفسنا وجهدنا لأننا لا نعرف كيف نسوّق أنفسنا، ولا ما نملك من أشياء، ولا نتنبه لمسائل صغيرة لكن مردودها كبير، ولا تكلفنا غير المتابعة والحرص على التواصل مع الآخر والوصول إليه إن لم يصل إلينا، فالنجاح أحياناً لا يحتاج لكثير من الضجيج.
ولا بد من الوقوف طويلاً أمام كاليري سمي بـ”الإيمان المشترك” حيث تجولت عدسة الفنان العالمي “ستيف ماكوري” في العالم الإسلامي مسجلة أدق التفاصيل مع جمالية عالية في الصورة غير العادية، والمدهشة والناطقة، والتي تمثل التجارب الإنسانية في يومها العادي، وفي قسوة الحرب، وانتزاع لقمة العيش، وفي صفائها التهجدي العبادي، بدءاً من الفتاة الأفغانية أم العيون الخضراء الصافية التي اشتهرت عالمياً إلى عالم من الصور ولحظات الإمساك بالزمن الهارب!


amood8@yahoo.com