لم تصل دولتنا لأي مكانة حققتها على الصعيد الإقليمي أو الدولي بدون خطوات مرسومة ومدروسة. كل ما حدث كان فكرة توقدت في ذهن الآباء المؤسسين زايد وراشد، بدءاً من اتحاد الإمارات ومروراً ببناء الإنسان ورفاهية المواطن وبناء الأرض. كلها تفاصيل بدأت وليدة تحبو في طريق من الجد والعمل والإصرار حتى سبقت في خطواتها من سبقوها بعقود طويلة؛ وليس أدل على ذلك من رؤية هذا الوطن كيف بدأ وحتى قبل أن يبدأ، وكيف صار عبر سنوات عمره الأربعين.
أثناء تصفحي لأحد أعداد جريدة الاتحاد الصادرة عام 1972، وجدت صفحة تصدرتها أسماء الناجحين في أول ثانوية عامة بدولة الإمارات بعد الاتحاد، ولم يزد عددهم عن العشرات، ومع تتابع تصفحي للجريدة عاماً بعد عام، كنت أتابع بكل فخر وامتنان أعداد الدارسين والملحقين بمؤسسات التعليم تزداد من عام لآخر؛ ومن خلال تلك العناوين التي أخذت مكانها في عقلي وكأنها فيلم سينمائي يعرض كيف تمكنت الدولة الاتحادية من تحقيق إنجارات مميزة في عدد الدارسين من الإناث، وكيف تغلبت على الأمية، وكيف تمكنت من تحقيق الصدارة في عدد المعلمين في إحدى السنوات حتى تغلبت على دول الجوار التي سبقتها في التدريس النظامي بعقود؛ ثم أتابع تلك الأرقام خلال الأعوام الأخيرة في عدد من المؤسسات التعليمية العالمية والتي تواجدت لأول مرة خارج حدودها لتأتي وتقبع في وطني.
وفي خبر ورد كذلك في أحد أعداد عام 1974 يقول إنه تم توزيع 2000 خط هاتف أرضي، ثم ترد الأخبار فيما بعد، ليدخل الإنترنيت إلي الدولة عام 1996، لتصبح الإمارات عام 2009 أكثر دول الشرق الأوسط في عدد مستخدمي الشبكة الدولية. وفي عام 2010 تحصل بلادي على أول نطاق إلكتروني لها باللغة العربية على مستوى العالم أجمع، وتتصدر صحيفة الاتحاد أول صحيفة على مستوى العالم لها نطاق باللغة العربية.
وفي خبر ورد في يوليو عام 1973، حول اجتماع المرحوم الشيخ راشد آل مكتوم بخبراء من بلديات بعض المدن العربية وبعض الأجانب، وحدثهم عن تصوره بأن تكون دبي مدينة عالمية، وفي العام نفسه ورد خبر في أغسطس يفيد بأن ناطحات السحاب أصبحت أهم معالم المدن العالمية، وعلى هذا النهج سيتم الاتفاق لبناء بناية يصل ارتفاعها 33 طابقاً بدبي، ولا يمكن أن يمر هذا الخبر على أحد أبناء الوطن إلا ويشعر بالاعتزاز بهذه المدينة التي شمخت بين أهم مدن العالم، لتصبح عالمية بامتياز، وقد احتضنت أطول برج بني على الكرة الأرضية حتى الآن.
يجب أن تكون هذه الأخبار وما تحمله من تفاصيل صغيرة لها دلالات عظيمة، أموراً محفوظة في عقل وقلب كل إماراتي، عليه أن يعود إليها دوماً ليعرف ويخبر أبناءه تاريخ هذا الكيان الذي ينتمي له، ليتعرف على كل تفاصيل تكوينه ونشأته، وليعرف الواقع الذي عاشه أجداده وآباؤه لكي يصل اليه اليوم هذا الخير والرفاه. وعلى كل حاسد أن يمر بهذا التاريخ، ليعرف بأن ما يراه اليوم لم يحدث بين يوم وليلة، وإنما حدث لأن وراءه رجالاً صادقين خططوا وعملوا بدمائهم لبناء دولة، وما نحن فيه ليس فقاعة نزلت مع المطر، وإنما وطن تكوَن في الدماء قبل أن يترسخ بشموخه على الأرض.
حفظك الله يا بلادي...


Als.almenhaly@admedia.ae