يحق لأي إنسان أن يختار الوظيفة أو المهنة التي يحبها أو يمتلك مؤهلاتها، كما يمكنه بحرية تغيير مسار حياته ساعة يعتقد أن تلك الوظيفة لم تعد تحقق له أي نوع من الرضا أو الاشباع النفسي أو المادى المطلوب، مثلما هو جائز للممثلين والفنانين تغيير مهنتهم التي عرفهم الجمهور من خلالها والتوجه نحو خيارات جديدة تتناسب مع قناعات جديدة أو معارف وتوجهات وجدوها أكثر قناعة، تلك حرية لا أحد يناقشهم فيها، ودون أن ندخل في تفاصيل لماذا اعتزلوا الفن ؟ ومن دفع لهم ومن حرضهم ؟ فذلك مما يندرج تحت بند المساس بالحرية والتعدي على الحق الخاص لهؤلاء الناس.

لكن ما لا يجوز ولا يصح أن يبدل الفنان أو الممثل مهنة التمثيل ليتحول للإفتاء الديني مثلا، ذلك أمر لا أظنه مقبولاً بأي حال من الاحوال، إلا في حالة واحدة هي أن يتدرج هذا الفنان في تعلمه لعلوم الدين كلها، عبر مدارس وكليات متخصصة وعلى يد أساتذة وعلماء يعتد بهم، بعدها ربما أجاز له معلموه وأساتذته أن يفتي أو أن يعطي رأيا في أمور العقيدة والدين، أما أن يقرأ أي فنان أو أي انسان كتابا أو كتابين ثم يتلو شيئا من المصحف الشريف وبعد ذلك يبدأ بإطلاق الفتوى، فتلك قضية خطيرة تحتاج الى وقفة حازمة من قبل علمائنا الأجلاء ومن مجامع الفقه في العالم الاسلامي لأكثر من سبب.

أول هذه الاسباب أن أمور الدين ليست من البساطة والسهولة بحيث يجوز الخوض فيها كأمور السياسة والفن والأمور الاجتماعية، فهذه القضايا الحياتية يجوز لنا أن نكون فيها رأيا معينا حسب ثقافتنا ومعارفنا المتراكمة، كما أنها أمور لا تنبني عليها نتائج تدخل في نطاق الحلال والحرام والدين والعلاقة بالله وغيرها.
أما ثانيا فإن الناس على دين مفتيهم، فقد يسمع بفتاوى وآراء هؤلاء الناس مجموعة من بسطاء الناس كانوا معجبين بهم، ما قد يدفعهم للاقتناع بما يفتون به، وهنا فمن ابتدع في الدين بغير علم فعليه إثم ما ابتدعه واثم من تبعه، بحسب حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهنا يتضح السبب وراء ضرورة العلم والتبحر والتفقه في الدين من جميع مصادره قبل الإفتاء، حتى تكون الفتوى في مكانها ولا تقود لبلبلة أو فوضى أو ضلالة.

وأما ثالثا فإن باب الاجتهاد يبدو وكأنه قد أغلق منذ قرون طويلة للأسف لأسباب لها علاقة بتأخر المسلمين وتردي أحوالهم، مع أن الاجتهاد أحد أهم مصادر التشريع في الاسلام، خاصة وأن زماننا يحفل بظروف وتقلبات وحالات تستحق وتحتاج الى الاجتهاد ليكون الناس على بينة بما هو حلال وما هو حرام، وهذا دور العلماء العارفين بمصادر الشريعة وعلومها مما جاء في القرآن وعلومه والسنة الشريفة وعلومها والقياس على ما ورد في سيرة الصحابة والتابعين، ومن هنا فإن الاجتهاد حق لهؤلاء دون غيرهم حتى لا تعم الفوضى، ويدخل المسلمون في متاهات الاجتهادات وفق الهوى والعلم القاصر، ما يقود لمزيد من التشدد والتضييق مما نحن في غير حاجة للمزيد منه.

ذلك ما يجب أن يتنبه اليه كثير من الفنانين الذين يسارعون للتحريم والتحليل بغير علم، فهذا المجال ليس مجالهم.

ayya-222@hotmail.com