ثمة فجوة لا تغطيها الدراسات والأبحاث ولا تحسم مصيرها النظريات الاقتصادية بين متوسط دخل الأسر المواطنة وإنفاقها الشهري، ولكنها تبقى إيجابية لأنها تدعم إمكانات الادخار.

فالأسر المواطنة، بحسب مسوحات رسمية، تنفق على جميع احتياجاتها، بما فيها الترفيه، ما يقارب نصف دخلها، فأين يذهب النصف الآخر؟

لا تشي بيانات الودائع المصرفية بأن تلك الأموال الفائضة عن حاجات الأسر توظَّف في أوعية ادخارية اختيارية تؤمن عائداً يكاد يخلو من المخاطر، كما هي الحال بالنسبة لودائع التوفير والبرامج الادخارية.
والغريب أن ودائع التوفير لا تشكل أكثر من 5% من إجمالي الودائع بالجهاز المصرفي، في بلد يعتبر من البلدان الأعلى دخلاً بالنسبة للفرد على مستوى العالم.

وذلك، نظرياً، يعكس ضعفاً في البرامج الادخارية التي تطرحها البنوك، سواء من ناحية العائد، الذي لا يراه العميل مجدياً أمام مغريات أوجـه الاستثمار الأخرى، أو من ناحية آلية توزيع الأرباح، كما يعكس ضعفاً في الثقافة الادخارية.

وطالما أن البنوك بحاجة إلى السيولة، فلا بد من ابتكار برامج ادخارية تناسب جميع شرائح الدخل وإمكانات الادخار.

وأدركت البنوك حاجتها للسيولة بعد أن تفجرت الأزمة المالية، بعضها طرح برامج ادخارية، ولكنها “نخبوية”.
ولو أن الأموال الفائضة تستغل بشكل مدروس، لتفوقت الودائع على القروض في القطاع المصرفي، حتى في ظل الأزمات؛ لأن دخل الأفراد بشكل عام لم يتغير، بل على العكس انكمش الاستهلاك، أي أن إمكانات الادخار زادت.

على البنوك والمؤسسات المالية أن تفكر جدياً بكيفية استقطاب رؤوس الأموال الفائضة، وعلى أصحاب الدخول المرتفعة أن يكونوا أكثر وعياً بالنسبة لأهمية “خش البيزات”، التي تحقق مردوداً معتدلاً لمن لا يريد تحمل المخاطر الاستثمارية.

وبرنامج مثل “الصكوك الوطنية” أثبت نجاحاً في استقطاب الأموال الفائضة، وجذب أكثر من نصف مليون عميل، ويحقق عوائد تعتبر مرتفعة مقارنة بغيره من الأوعية الادخارية بلغت 3.5% العام الماضي، فضلاً عن السحوبات والجوائز النقدية الدورية.

الاستهلاك أو الإنفاق مرتبط بالسلوك، أما الادخار، أينما ورد في علم الاقتصاد، تسبقه كلمة ثقافة، والثقافة تتطلب وعياً ومعرفة وابتكاراً.

baha.haroun@admedia.ae