حينما دعي البروفيسور نورمان فنكلشتاين لتقديم محاضرة في جامعة واترلو الأميركية ، تحدث عن الموضوع الذي اشتهر به كأستاذ متخصص في علم التاريخ السياسي، وصاحب أشهر الكتب حول المحرقة أو الهولوكست اليهودي ، وبعد انتهاء محاضرته طلبت إحدى الطالبات الإذن في الكلام فأذن لها ، وهنا بدأت الطالبة تخلط بين الكلمات والبكاء موجهة للبروفيسور تهمة جرح مشاعر الطلاب اليهود الموجودين في القاعة والذين عانى آباؤهم وأمهاتهم الأمرّين بسبب المحرقة التي يتحدث عنها بشكل وكأنه ينفي حدوثها تماماً ما يشكل إهانة للتاريخ اليهودي الحديث ، ثم أخذت في البكاء وذرف الدموع !

لم يترك لها البروفيسور المجال طويلا فقاطعها بصرامة شديدة قائلاً : “دعيني أخبرك بأنني لا أحترم ولا أحب هذا الذي تقومين به ، أنا لا أحترم دموع التماسيح التي تذرفينها الآن ، فتعالت أصوات القاعة بالتصفيق له ، فيما قامت مجموعة من الطلاب بالاعتراض عليه فقاطعهم بشدة طالباً منهم السكوت تماماً وتركه يكمل كلامه ، وقد صمت الجميع وتحدث البروفيسور اليهودي نورمان فنكلشتاين كما لم يتحدث أحد مثله .

قال للطلاب الذين أمامه : أنا لا أحب ولا أحترم دموع التماسيح التي تذرفونها مستغلين مسألة المحرقة مع أن والدي ووالدتي توفيا في معتقلات هتلر، لكنني لا أحب أن ألقي بـ “كارت” المحرقة في وجوه البشر لأبرر المجازر التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين ، ولأن والدي ووالدتي قضيا نحبهما في معسكرات التعذيب ، فإنني لا أريد أن أتحول إلى نازي آخر يشبه النازي الذي قتلهما كما أنني لا أريد أن أتاجر بموتهما فذلك هو العيب الحقيقي، إن الطالبة التي بكت قبل قليل بسبب حديثي الذي لم يعجبها كان الأولى بها أن تذرف هذه الدموع على الأطفال الفلسطينيين الذين تقتلهم إسرائيل يومياً بلا رحمة كما كان يفعل النازيون تماماً، ما الفرق إذن ؟

ليس غريباً أن تضغط الجماعات والمنظمات المتعاطفة مع إسرائيل لإقالة البروفيسور نورمان من جامعة ديبول الكاثوليكية التي يعمل فيها بسبب أفكاره المناهضة للسياسات الإسرائيلية - بالرغم من أن لجنة دائرة العلوم السياسية في جامعة دي بول كانت قد أيدت ترشيحه للترقية بغالبية تسعة أعضاء في مقابل ثلاثة، وأيدت لجنة موظفي الجامعة الترقية بالإجماع - كما أنه ليس غريباً أن يمنع من دخول إسرائيل حينما ذهب إلى هناك ومنع من الدخول وأعيد على متن الطائرة ذاتها بعد أن تم التحقيق معه من قبل جهاز الشاباك الإسرائيلي ، بالرغم من المكانة الأكاديمية العالية التي يحظى بها كأستاذ لعلوم التاريخ والسياسة في الجامعات الأميركية.

لقد احترم الأستاذ الأميركي كرامته الفكرية وكرامته الإنسانية بقدر ما راعى ضميره كباحث وعالم وإنسان حين ندب نفسه واستثمر قدراته وملكاته العلمية لكي يكشف للناس افتراءات الحركة الصهيونية وأكاذيب ومكائد منظمات يهودية تنشط في هذا الركن من العالم أو ذاك لتضليل العالم والافتئات على التاريخ واستغلال دماء الضحايا وأشلاء البشر ، أليست هي الدولة التي وصفها الجميع بأنها خارجة على القانون بجدارة وكما وصفتها السيدة أمل القبيسي عضو المجلس الوطني الاتحادي أمام اجتماع البرلمانيين الدوليين في تايلند .



ayya-222@hotmail.com