غريب أمر كثير من الشعوب العربية، فهي الوحيدة إذا ما سارت وراء زعيم أو قائد، هتفت بملء حناجرها “بالروح بالدم نفديك يا ...... “، فإذا راحت السكرة كما يقولون وجاءت الفكرة، وذاب الثلج وبان المرج واتضح أن الذي كانوا سيفدونه بالروح والدم لم يبق لهم، لا روحاً ولا دماً، مزقوا صوره وضربوه بالأحذية، كما فعل ذلك المواطن العراقي بصورة صدام حسين ليلة سقوط بغداد في سابقة هي الأولى يومها ولن تكون الأخيرة حسب توالي الأحداث العربية.
تحتاج الشعوب العربية، مثقفوها وبسطاؤها إلى وعي سياسي من نوع آخر، وعي ينزع من عقولهم ذهنية استرخاص الروح والدم فداء لأي كائن من كان، ما عدا الوطن، ذهنية الاقتناع بأن العكس هو ما يجب أن يكون وأن القائد والرئيس هو من يتوجب عليه أن يفدي شعبه بالروح والدم، لأنه إنما جاء ليخدمهم ويسهر على مصالحهم ويؤمن احتياجاتهم العاجلة والآجلة، هو بالتأكيد لم يأت ليفتديه الناس بالروح والدم، فهذه الأسطوانة يجب أن تصادر تماماً من جميع محال بيع الأسطوانات العربية، لأنها الأسطوانة الكذوب عبر التاريخ، حيث لم يثبت أن شعباً عربياً افتدى قائده حتى اليوم.
غوغائية العلاقة بين الناس والسلطة تبدو واضحة في شوارعنا العربية بشكل لا جدال فيه، وهذا ربما يكون السبب الأكبر في التجاوزات التي يرتكبها كثير من السياسيين والمسؤولين في حق المواطنين في بلدانهم، فهم يسمعون هتافات الفداء عند كل انتصار أو فوز، إذا فاز بانتخابات الرئاسة أو انتخابات البرلمان أو انتخابات الحزب، فطبيعي أن يفهم هذا المسؤول “ولو استعباطاً” أن من يكون مستعداً لفدائه بالروح والدم، مستعد أيضاً أن يغفر له تجاوزاته وأخطاءه بل وخطاياه، خاصة أن المواطن العربي يفاخر بقدرته على الاحتمال والصبر طويلاً وطويلاً جداً!!
النظم السياسية لا تحتاج لمن يفتديها، فهذه ليست مهمة المواطنين، بل إن مهمتهم أن يفتدوا أوطانهم بكل ما لديهم، وذلك ليس واجباً، بل هو فريضة وضريبة وإلزام دستوري وأخلاقي وديني، إن ما يحدث في كثير من عواصمنا هو الهتاف عالياً بفداء الرئيس بالدم والروح، فإذا تغول فيهم أو تجاوز اعتدوا على الوطن حرقاً ونهباً بادعاء الحرمان والجوع... والكارثة أننا ندعي بأننا مسيسون وأصحاب وعي.. كيف يغيب الوعي كل هذه السنوات؟ نحن بحاجة حقيقية لمراجعة وعينا كي نعي بشكل مختلف وصحيح وسريع.


ayya-222@hotmail.com